آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

في شهر ميلادي.. جردة حساب!

رحمَ الله أمّي وأمَّهاتكم: تقول أمِّي أنها ولدت بي في شهرِ ربيع، وبعد - أكثر من - ستِّين ربيعًا، شعرتُ أنه آن الأوان لجردِ الخسائر والأرباح. سوف تكون جردة الحساب سريَّة حتى لا يعرف التّجار الآخرون ربحي وخسارتي!

خلاصة الغرضِ من الجرد: كلنا تجّار في هذه الحياة، نبيعُ أعمارنا ونستبدلها بأشياء، فإذا تعاملتم مع تاجرٍ ناجح في الحياة، فاعلموا أنه يفهم التّجارة ودقَّة الحساب، ماذا اشتَرى وبكم؟ كم باع وبكم؟ وهكذا يجب أن يفعل كلُّ التجّار.

بنظرةٍ سريعة، الأرباح كثيرة والخسائر كبيرة: نِعم الله لا تحصى، لكن رأس المال - العمر - يتصرَّم. وهذا التصرّم واضح في ابيضاضِ ما كان أسود، وضعف ما كان قوي. جردةُ حساب شهر ربيع هذا ليست كما جردة الحساب في الثَّلاثينات والعشرينات، وأظن أني أخادع نفسي إذا قلتُ مرَّت السنواتُ سريعة، فأنا استغرقتُ ستِّين سنةً ليصبح عمري ستِّين سنة، وهكذا كل سنةٍ بسنة.

قال الصَّادق عليه السَّلام مكتوبٌ في التوراة: نحنا لكم فلم تبكوا، وشوّقناكم فلم تشتاقوا، أَعلم القتالين أن للهِ سيفًا لا ينام وهو جهنم، أبناء الأربعين أوفوا للحساب، أبناء الخمسين زرعٌ قد دنا حصاده، أبناء الستِّين ماذا قدَّمتم وماذا أخّرتم؟ أبناء السَّبعين عدوا أنفسكم في الموتى، أبناء الثَّمانين تُكتب لكم الحسنات ولا تُكتب عليكم السيِّئات، أبناء التِّسعين أنتم اسراء الله في أرضه! ثم قال: ما يقول كريمٌ أسرَ رجلا؟ ماذا يصنع به؟ قلت: يطعمه ويسقيه ويفعل به، فقال: ما ترى الله صانعًا بأسيرِه؟

وَقَد كُنتُ وقَّادَ الشَّعيلَةِ شارِخاً … أَحدَّ مِن العَضْبِ الحُسامِ وأَقْطَعَا
فأَصْبَحْتُ كالرَّيْحانِ أَذْبلهُ الظَّما … وودَّعْتُ رَيعانَ الشَّبابِ فودَّعَا

أستحلفكم بالله، أليست هذه مشاعر من حصَّلوا ستينَ سنةً وما فوقها؟ فاسألوا ربَّكم أن يكون حاصل جردة حسابكم استثنائية وموجبة، وأن لا تكون مثل حديثِ السَّيلِ والزبد!

إِذا عاشَ الفَتى ستينَ عامًا ** فَنِصفُ العُمرِ تَمحَقُهُ اللَيالي
وَنِصفُ النِصفِ يَذهَبُ لَيسَ يَدري ** لِغَفلَتِهِ يَمينًا مِن شِمالِ
وَثُلثُ النِصفِ آمالٌ وَحِرصٌ ** وَشُغلٌ بِالمَكاسِبِ وَالعيالِ
وَباقي العُمرِ أَسقامٌ وَشَيبٌ ** وَهَمٌّ بِاِرتِحالٍ وَاِنتِقالِ
فَحُبُّ المَرءِ طولَ العُمرِ جَهلٌ ** وَقِسمَتَهُ عَلى هَذا المِثالِ

مستشار أعلى هندسة بترول