آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 3:27 م

ارجع يا زمان قال الزمان: رجعوا أهلي وأرجع!

المهندس هلال حسن الوحيد *

قيلَ للزَّمان عد يا زمان، قال الزَّمان: أعيدوا أهل الزَّمان وأعود.

كنَّا ليل أمس في ضيافة، وصاحبة الدَّار ارتحلت عن دراها - للأبد - منذ سنوات. تغير فرش وبَلاط الدار، وجاء في الدارِ سيدةٌ أخرى. فماذا لو انكشفَ الغطاءُ عن روحها، ماذا كنا نسمعها تقول عما استجدَّ من حالٍ بعدها؟

كثيرًا ما يتأسف النَّاس ويتحسرون على ما فاتَ من أعمارهم، يقولون عن الماضي أنه كان أجمل وأهله أحسن! حنينُ ورغبة من في فؤاده نزعة فرحٍ دفنها في جبِّ الماضي وآنَ الأوان لكي يستخرجها كما أخرجَ السراقُ يوسفَ عليه السَّلام، ثم باعوهُ بثمنٍ بخس!

قولوا وناشِدوا الزَّمانَ ما شئتم، الزَّمان لن يعود - وإن عادَ دون ناسه - سوف ترمونَه بالحجارة وتطردونَه، لأنه ببساطة لن يكون أجمل ولا أمتع من الحاضر. حنينكم للماضي هو حنين التَّائه الذي يبحث عن الصحَّة والقوة، ومن ذهبوا ولا يعودون. أسميناه ماضٍ لأنه لم يعد مجهولًا وغيبا، وانكشفت فيه - الآن - كلُّ المخاوف. أما الحاضر والمستقبل، فهما زمنان مرعبان قبل أن نعرف ماذا في جعبتهمَا من أحداث!

أما المقيمُ فأخشى أن يفارقني ** ولستُ أوبة من ولى بمنتظرِ

هكذا هي الأيام، من منكم لا يتمنى أن يعودَ طفلًا يرتع ويلعب في حضنِ أمه؟ من منكم لا يتمنى أن يعودَ ليلعب في أزقةِ وطرقِ الحارات؟ من منكم لا يعطي كلَّ ما يملك لكي يعودَ طفلًا صغيرًا في المدرسة؟ من منا لا يأسف لما فاتَ في كلِّ شي!

لو كان هناك مستحيل واحد في الحياة فهو أن تعود الأيام ويعود الزَّمان للوراء. استمتعوا بالحاضر وترحموا على الماضي وأهلَ الماضي، فلن يعود! نعم، كان بعضه جميلًا يستحق المناشدة بالعودة والرجوع، ويبقى السؤال: ماذا لو عاد، هل نصنع به ونصنع فيه غير ما صنعنا؟

أظن أن أفضل طريقة للتعايش مع الماضي هي حكاية دودة القز، يمتعنا خيطُ الحرير ونعومته، وتقتلنا شرنقته!

ما مضى فاتَ والمؤمَّل غيبٌ ** ولكَ السَّاعة التي أنتَ فيها

سمعَ عليّ رجلًا يذم الدنيا فقال له كلامًا طويلًا كان أوله: أيها الذَّام للدنيا المغترّ بغرورها، المخدوع بأباطِيلها ثم تذمها. أتَغتر بالدنيا ثم تذمها. أنت المتجَرم عليها أم هي المتجرمَة عليك؟ متى استهوتكَ أم متى غرتك؟ أبِمصارعِ آبائك من البلى؟ أم بمضاجعِ أمهاتك تحتَ الثرى؟

خلاصة الكلام: الماضي سجنٌ كبير، يسكنه الفارون من الحاضر والخائفينَ من المستقبل، وعندما تنكشف الحقيقة: لم يكن السّجن إلا وهمًا وخيطًا من خيوطِ العنكبوت!

مستشار أعلى هندسة بترول