آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:12 م

شتاؤنا فشوش.. مع ذلك اتقوا أوله!

المهندس هلال حسن الوحيد *

اجتمعنا، لمّة من الرِّجال في منتصف أعمارنا - وما فوق المنتصف - صباح اليوم، وكان حديثهم عن البرد القادم والوقاية، وأنا أقول لهم: برد هذا الزمان فشوش! يقول القطيفيون عن الشيء أنه ”فشوش“ إذا كان غير جيد، وهي كلمة عربيَّة أصيلة معناها:

الفَشُوشُ من الأشياءِ: ما لا طائلَ فيه

الفَشُوشُ من النوق: التي يَنْفَشُّ لبنُها من غير حَلْب

الفَشُوشُ من الأوطاب: ما يسيل لبنُه منه

على فَشوش: انتهى إلى لا شيء

على هذا لا زلنا ننتظر برد هذه السَّنة، وأظنه ضلَّ طريقه وأصابَ مكانًا آخر، وإذا وجد طريقه نحونا اتقوا أوله.

قال الإمامُ عليّ عليه السَّلام: توقوا البردَ في أوله، وتلقوه في آخره فإنه يفعل في الأبدانِ كفعلهِ في الأشجار. أوله يحرق وآخره يورق. ورووا عن النبي ﷺ: اغتنموا بردَ الرَّبيع فإنه يفعل بأبدانِكم ما يفعل بأشجارِكم، واجتنبوا بردَ الخريف فإنه يفعل بأبدانِكم ما يفعل بأشجارِكم.

كان برد الزمن الماضي أكثر قساوة، ليس لبرودة الجو، بل لأن البيوت لم تكن مهيأة للطقسِ البارد والممطر. في جزيرة ”تاروت“ التي ولدتُ فيها، كان فيها كثيرًا من البيوت مبنية من جريد النخيل، والأخشاب، أما العوائل التي كانت مقتدرة بيوتها بُنيت من الطين والاسمنت أو تداخل بين ذلك ومواد النخل.

تغير الحالُ - في السَّبعينات من القرن الماضي - وأخذت المظاهرُ الفقيرة بالاختفاء. في تلك الفترة كان إحساس الناس بالبرد لاذعًا لأن لباس الشِّتاء غير متوفر والبيوت لا تحجز الرياح والبرودة، والطبيعة لم تسخن بعد بسبب وجود المركبات وغيرها من الأجهزة الحديثة.

نِعمٌ على الأجيالِ الحاضرة أن تدركها وأن تشكر ربها وتحمده لأنها لم تجرب جشوبة تلك الأيام:

- أحسن الناسِ حالًا في النعم من استدامَ حاضرها بالشكر، وارتجعَ فائتهَا بالصبر.

- إذا وصلت إليكم أطرافُ النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر.

نحن الآن نعيش حياةً جيدة، وفي العالم من يموت من البرد الذي نستمتع فيه بالملابس الملونة والمدافئ والكستناء المشوية. صدقوني، تمنيتُ أن لو استطعت أن أخيطَ معاطفًا من كلماتي، وأن لو استطعتُ أن أبني أكواخًا للفقراءِ من مشاعري. لكن الكلمات والمشاعر لا تخيط معاطفًا ولا تبني أكواخًا، بل تبنيها الأيادي والأفعال!

خلاصة الفكرة: من كان فوق رأسه سقف يظله، وبات آمنَ السرب، شبعانا وظهره مكسي، فهو في نعمة يحسده عليها مليارات البشر، وجب أن يشكر الله عليها، قولوا: الحمد لله!

مستشار أعلى هندسة بترول