آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

لقمة بلقمة!

المهندس هلال حسن الوحيد *

ظهرَ في بني إسرائيل قحطٌ شديد سنين متواترة وكان عند امرأة لقمة من خبز فوضعتها في فيها لتأكل، فنادى السَّائل: يا أمةَ الله! الجوع. فقالت المرأة: أتصدق في مثلِ هذا الزَّمان. فأخرجتها من فيها فدفعتها إلى السَّائل. وكان لها ولد صغير يحطب في الصَّحراء، فجاءَ الذئبُ فاحتمَله، فوقعت الصَّيحة، فعدت الأمُّ في أثرِ الذئب فبعثَ الله إليه تباركَ وتعالى جبرئيل - عليه السَّلام - فأخرجَ الغلامَ من فمِ الذئب، فدفعه إلى أمِّه فقال لها جبرئيل - عليه السَّلام -: يا أمةَ الله! أرضيتِ؟ لقمة بلقمة.

كم مرَّة استصَغرتم واحتقَرتم عملَ خير؟ قلتم: ما قيمة درهم وما قيمة دينار؟ ذلك لأن حساب الربح والخسارة من بناتِ أفكارنا ومن بناتِ مقاييسنا، وليس بمقاييس الله، الذي يعطي بسببٍ وبدون سبب، ويجازي الكثيرَ بالقَليل!

”إن عيسى ابن مريم «عليه السَّلام» لما أن مرَّ على شاطئ البحر رمى بقرصٍ من قوتهِ في الماء فقال له بعضُ الحواريين: يا روحَ الله وكلمته، لم فعلتَ هذا وإنَّما هو من قوتك؟ قال: فقالَ: فعلتُ هذا لدابَّةٍ تأكله من دوابِّ الماء وثوابه عند الله عظيم“.

قولوا لي إذًا: كم لقماتٍ حقيقيَّة هانئة سائغة يعطينا اللهُ بدلًا من لقمةٍ واحدة نعطيها غيرنا؟! ”إن صدقةَ الليل تُطفي غضبَ الربّ وتمحو الذنبَ العظيم وتهون الحساب وصدقة النَّهار تثمر المالَ وتزيد في العمر“.

لقمة بلقمة، لم تقرر سوى حقيقة لا يجوز أن يكون شجارًا فيها بيننا، أن اللهَ أكرم من يعطي، فإذا كان بعض النَّاس يجازي شاعرًا على قصيدةٍ مدحه فيها وأثنى عليه آلافَ الدراهم والدنانير، فكيف بالله لا يجازي من أقرضه قرضًا حسنا؟!

كثيرًا ما نقرأ أن الدِّين يحث على العطاء، والعطاء يجلب السَّعادة، فإذا بالدراسات البشريَّة والأحوال الإنسانيَّة تقرر ما قرره الدين منذ زمنٍ بعيد! إن المالَ يصنع السَّعادة لصاحبه، ويصنع سعادةً وفرحةً أكبر إذا أعطى منه صاحبه لغيره. وأن الأشخاص الذين ينفقون من أموالهم على غيرهم يتمتعون براحةٍ نفسيَّة عالية مقارنةً مع غيرهم ممّن ينفقون كلَّ أموالهم على أنفسهم لا غير ”وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ“.

مستشار أعلى هندسة بترول