آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 7:35 م

من عبق معارف الإمام العسكري‎‎

السيد فاضل علوي آل درويش

ورد عن الإمام الحسن العسكري :.. فلا تعجل علي ثمرة لم تدرك» «بحار الأنوار ج 90 ص 372».

الرواية الشريفة معلم من معالم المدرسة المعرفية والسلوكية للإمام العسكري ، والتي من خلالها يقدم درسا مهما في الحياة وهو تناسب العامل الزمني مع مراحل تحقيق الأهداف والتطلعات، فما كان مكونا من أجزاء أو مراحل في سبيل إنجازه فإن الاستعجال في إدراكه يفسده ويخيب آمال صاحبه، وهذا المعنى المهم وهو إدراك أهمية المراحل والخطوات وإنجاز كل مرحلة بنحو الإتقان والإحكام، فإن الاستعجال برؤية ثمرة جهوده وعمله الشاق على أرض الواقع قد يفقده نشوة الانتصار ويخيب آماله بالظفر بمطلوبه.

ولهذا نرى الإمام يقرب فكرة إفساد العمل بالاستعجال من خلال ضرب مثل بصورة محسوسة ومدركة، ألا وهي صورة العامل الذي يعمل على الإنتاج الزراعي وينتقل في ذلك من مرحلة وعمل إلى أخرى حتى يدرك مناه، فتلك الثمرة التي طال انتظار المزارع لرؤيتها يانعة حين يبدأ موسم القطاف والحصاد، إنها لم تأت وليدة اللحظة بل هي نتاج عمل حثيث ودؤوب انتقل فيه من جزء إلى آخر تخطيطا وتنفيذا حتى وصل لمبتغاه، ولو أن ذلك العامل استجاب لاندفاعته النفسية بسرعة الحصول على مراده لأفسد الأمر وما نابه منها شيئا، وهذا المثل صورة معبرة جدا عن سعينا في الحياة وما نخطط له من أهداف وأعمال ومشاريع وعلاقات ومنجزات وغيرها، فالعامل الزمني المحدد لكل مرحلة حتى يتم إنجازها والبدء في المرحلة التي تليها عامل مؤثر في الظفر بالمراد، وأي تجاوز وتسرع وتخط لجزء أو خطوة سيعود على صاحبه بالخسارة الفادحة، والخلاصة أن المعنى يشير إلى مخاطر الاستعجال في تحصيل المطلوب، فلكل أمر مدى زمني يتعلق بتحقيق خطواته المتلاحقة وصولا إلى الحصول على الثمرة، كما أن الثمرة كذلك تمر بمراحل منذ تكون زهرتها حتى تحولها إلى ثمرة ناضجة يانعة فكذلك هي مسارات العمل في الحياة.

ينبهنا الإمام إلى أن موسم القطاف والإنجاز يفوز فيه من عمل بتخطيط جيد وانتقال سلس ومدروس من مرحلة إلى أخرى، فهذا الموسم وقت إعلان النتائج وهو في حقيقته خلاصة عمل مثابر من مجد قد درس خطواته بتأن وحكمة، وقد يكون ذلك الموسم لحظة حسرة وندم ممن تعجل الأمر وخلط الأمور دون دراية.

هناك عوامل تحذو بالمرء للقفز وتخطي المراحل بغية الوصول السريع للنتيجة المبتغاة، وأهمها غريزة إثبات الذات بالنحو العاطفي لا العقلي، إذ أن العقل الناضج يدعو إلى دراسة وتخطيط كل هدف ومشروع بنحو متزن ووضع القدرات والأدوات اللازمة لتحقيقه، بينما التحرك العاطفي يغيب عن المرء التوافق الزمني وحاجة كل خطوة لتتحقق بالنحو المطلوب في إطار مدى زمني يجب مراعاته دون تقصير أو تطويل، ولكن رغبته الشديدة تدفعه للعمل بنحو غير متقن ولا يراعي فيه وضع جميع الإمكانيات ومنها العامل الزمني.

والعامل الآخر هو العامل النفسي المتعلق بالجانب الغرائزي والذي يعد عاملا سلبيا إذا لم يؤازره التحرك العقلي الوازن، ولهذا استعار الإمام لفظة الثمرة للإشارة لأهم الغرائز وهو غريزة الأكل، فهذه الرغبة الملحة قد تقوده إلى الحصول على ثمرة عمله المتعجل فيه متخطيا بعض المتطلبات والعامل الزمني المؤثر في الإنجاز المتقن، فالحالة النفسية المضطربة بسبب الاستعجال ورؤية مسار مخالف لتوقعاته يزيد من توتره وفقدان توازنه الفكري والوجداني، إذ أنه يحذوه الأمل والتطلع لنتائج مشجعة ولكنه بسبب عدم مراعاة التوافق الزمني يرى أن جهوده قد خابت، وقد تأتي النتيجة المخيبة للآمال برياح عكسية على صاحبها تحمل اليأس مستقبلا من النجاح في تحقيق أي هدف والظفر بثمرته، فينطفيء من نفسه بريق الأمل والهمة العالية التي تدعوه للنهوض مجددا بعد أي سقطة، وذلك من خلال دراسة الأخطاء السابقة ومراعاة عوامل الإنجاز ومنها التوافق الزمني لأي خطوة مستقبلية.