آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

المستشفيات وأهمية بناء ثقافة غذائية سليمة

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

يواصلُ هذا المقال، النقاش الذي بدأته الأسابيع السالفة، حول المستشفيات والأغذية المقدمة فيها، والأثر السلبي للعديد من تلك الأغذية على الصحة!

عندما تدخل المستشفى زائراً لأحد المنومين، ستجد سلال الحلويات يجلبها معهم القادمون لتدور فيما بينهم، فرحاً بسلامة قريب أو صديق، يجلسون متحلقين حولها، وربما المريض يشاركهم تناول تلك القطع الأثيرة على قلب الناس.

الحلويات صار لها محلاتها التي تبيعها في العديد من المستشفيات، أي أنها جزء من بنية المكان ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، وتعطي إيحاءً بأن غيابها سيعني غياب الشفاء!

الزوار وضمن ثقافتهم العامة إرتبطت لديهم السعادة ب ”السُكَر“، فهو في تقاليد العديد من الشعوب فألُ خير، وطعمه الحلو يمنح شعوراً بالنشوة لشاربه؛ وإن كانت علمياً نشوة مؤقتة تقود تالياً لخمول، ولا تزيل الكآبة كما يعتقد رهطٌ من الجمهور، بل ترفع من مستوياتها وتدخل الإنسان في دائرة الإدمان.

إذا كان ”السُكَر“ قارٌ في ثقافة الناس، بأنه جزء من البهجة، فهذا لا يبرر حضوره الطاغي في المستشفيات، سواء في الوجبات التي تتضمن كربوهيدرات مصنعة، أو العصائر المليئة بالسكر التي تباع في الأروقة، كما يجلبها الممرضون لمرضاهم في صواني الإفطار والغذاء والعشاء؛ دون أن ننسى السكريات المغرية في أجهزة البيع الذاتي والكافتيريات ومحلات بيع الهدايا.. أي أنك محاطٌ بدائرة من السُكر الذي هو أحد أهم القتلة في العالم.

نحن أمام شلال منسكبٍ من السكر، سيعانق المرضى والزوار.. وبعدها يتساءل المرء: لماذا ينتشر مرض السكري في دول الخليج العربي والسعودية تحديداً؟

الجواب لا يحتاج إلى مزيد عناء. إرمِ ببصرك، وافحص النظام السلوكي الذي بني عليه المستشفى، سترى أنه يقود إلى عادات غذائية غير صحية، تقول ظاهراً إنها ضد ”السكريات المصنعة“، إلا أنها عملياً تروج لها، ولا تراه خطراً.

قد لا يمتلك مدورو المستشفيات شجاعة القرار الذي يمنع الزوار من جلب الحلويات كهدايا لأفراد عائلاتهم المنومين؛ وربما يحتاجون ردحاً من الزمن، وتعميم ثقافة عامة صحية تبدأ من الصغر، عبر رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والأسر. إلا أن المسؤولين في وزارة الصحة بمقدورهم تحويل المستشفيات إلى بيئات لا تبعث برسائل سلبية خاطئة، وتجعلها أماكن صحية غذائياً. الزائر للمستشفى، ما الذي سيتكون في ذهنه عندما يرى الحلويات في مكائن البيع الذاتي والعربات المتنقلة، وحين يشاهد أطباء بملابس العمل يأكلون تلك السكريات المكررة والنشويات، ويحتسون العصائر أو المشروبات الغازية أو المشروبات الساخنة مضافاً لها السكر؟

ما هي الصورة التي ستتكرس في ذهن المرضى والزوار وهم يشاهدون بعض الأطباء يعانون من السمنة المفرطة، هل سيقبلون نصائحهم حول ضرورة إنقاص الوزن؟

هل هذه هي الصور النموذجية التي تريد وزارة الصحة تعميمها على الناس، وهل تقود إلى تشكيل نمط حياة أكثر جودة واستدامة وأقل أمراضاً، يتناسب وأهداف رؤية المملكة 2030؟

أسئلة برهن الوزارة والمسؤولين فيها، خصوصاً أن وزير المالية السعودي محمد الجدعان، وأثناء حديثه عن تفاصيل ميزانية المملكة 2022، قال إنه تم ”تخصيص 43% من الميزانية للتعليم والصحة والقطاعات البلدية، بهدف تحسين الخدمات المقدمة للمواطن“، وهو ما يعادل ”138 مليار ريال، للصحة والتنمية الاجتماعية“. أرقام كبيرة، يجب أن تساهم في تعزيز الصحة العامة للمواطنين والمقيمين، لا أن يتم الانفاق بسخاء من جهة، فيما المستشفيات، بسبب إهمال بعض التفاصيل التي قد يعتبرونها صغيرة، إلا أنها مؤثرة وأساسية، تتسبب في إهدار جزء من تلك الميزانيات الضخمة، وعوضَ أن تتراجع نسب الإصابة بالسكري نجدها تزداد، وبالتالي ستذهب مزيد من الأموال لعلاج المصابين بهذا الداء المستشري، بدلَ أن يستفاد من هذه الإمكانات المادية في تطوير البحث العلمي والتجارب المخبرية والسريرية، وتجهيز المشتفيات، وبناء مراكز صحية جديد، وتوظيف كفاءات عالمية شابة.

.. وللحديث تتمة.؟