آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

لا تكن مُتاحًا للجميع

ليلى الزاهر *

يُصادف أن يكون في حياتك شخص عزيز على قلبك أنزلته منزلة خاصة في قلبك، وأصبح عنوان الحياة عندك، وأصبحت جذوره أصيلة يصعب انتزاعها من قلبك.

ولكنه - للأسف الشديد - فضّل أن يكون بجانب غيرك وأن يبعدك من طريقه فمرحبا بقراره.

هذا ما يحدث كثيرا في حياتنا كبشر، فلا تُكثر الكلام حيث يكفي القليل منه واتركه وشأنه الخاص.

إنّ البعض لا ينقذه إلّا التصريح حينما يغالط نفسه ويجبرها على أن تسمح بإعادة مفردات التّلميح مرارا وتكرارًا مُستندا على القول الدارج «امنحهم فرصة أخرى» ولكن هيهات، فالعاقل يُرتّب الناس في أماكنهم الصحيحة، إنّه يعطي الإشارة المناسبة للقلب ويخاطب البعض قائلًا:

شكرًا على نسختك التي تلطّختْ بالجحود ثم رافقتني بألم عبر الوهاد فأهديتُها لوادٍ سحيق دُفنتها بين تُرابه.

ربما كانت هذه المواقف قد عبرت قلوب الكثير من الناس وباتت تخص الإنسانية في عهودها المختلفة إذ يقول مصطفى الرافعي:

«لقد أنزلتُه من درجةِ أنّه كلّ الناس، إلى منزلة أنّه ككلّ النّاس»

فرَحمَ الله قلبًا يتوفى جميع الوافدين عبر نياطه لأنهم خانوا عهد الحب والوفاء وابتعدوا عن القلب وقد كانوا المتنفس له.

ومما لا شك فيه أنّ لكلّ إنسان طريقته الواضحة في فهم مشاعر الآخرين، وما يشعر به قلبه لا يمكن مغالطته حتى وإن رفض إحساسه أن ينكمش حبهم.

وللأسف الشديد فإن البعض من الناس يغادرك عندما تفتقر للمال، والبعض يغادرك عندما تفتقر للصيت والسمعة والمركز الاجتماعي وهؤلاء الفئات المختلفة يتواجدون على مسرح الحياة ويتذرعون بخلق قصص كاذبة حينما يغادرون ولكن تخونهم عذوبة حناجرهم وتظهر رائحة خيانتهم للعشرة. فعندما يبدع القدر في رسمهم في حياتك حينها يكون الله تعالى قد هيأ لكَ أبدالهم فطبْ عيشًا برحيلهم فسوف تنتقل لمشاهد من الحياة أجمل وأرقى ولا تذهب نفسك حسرات عليهم ولا تتعذب بين ما هو فيك وبين ما ترجو من الناس.

وقد تذوب الروابط الاجتماعية بحلول مُسببات غريبة كما حدث في زمن الجائحة التي كانت ذريعة البعض في الابتعاد وقفْل جميع طرق الوصال حتى بالمهاتفة.

وكم هو مؤلم أن تطوى صفحة إنسان عزيز القلب لسوء فهم أو لسبب اختلاف وجهات نظر، ويبلغ الألم أشدّه عند رباط الدّم، ولا تلبث علاقة تنتهي حتّى تحلّ محلّها علاقة تبتلع جميع آلام الماضي لرحمة الله تعالى وتعويضا منه عن علاقة بدأت بمذاق العسل وانتهت بمذاق العلقم.

وتظل الخسارة تلاحق من ارتحل من دائرة الأخيار بعد أن استشعر لذّة معاشرتهم فنام قرير العين واستفاق على فراش من الإبر والأشواك.

يقول الإمام علي : «أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الْإِخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ».

أخيرًا:

لا تكن مُتاحًا بشكل مستمرٍ، وابخل بنفسك، لا تصرح برأيك، لا تفشِ أسرارك لأحد مهما كان حجم علاقتك به فقلبك بئرها.

ولا تفرط في وجودك، تواجد في مكان تصبح فيه أميرا، ولا تفرّط في حقوقك من أجل إثبات حق أحدهم لأنه سوف يتهاون بحقوقك

فإنّ من يعتدْ التفريط في حقوقه يعتاد البعض منه هذا التفريط ويعتبرونه حقًا لهم عليه.