آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 3:46 م

الحقيقة توجع

عبد الرزاق الكوي

في ظل الأوضاع العالمية المتردية سواء الاقتصادية أو الصحية حتى العسكرية تتشابك الأفكار وتختلف وجهات النظر لمعرفة ما يحاك لهذا العالم والبحث عن حقيقة الأحداث ومن يقف وراء هذا التردي والانحدار.

فطرة الإنسان بشكل عام منذ خلق البحث عن الحقيقة وما يحيط به من أجل الفائدة والمزيد من المعرفة لتسهيل أمور حياته، يسعى بكل جد واجتهاد يمر من خلالها بكثير من التجارب تصقل شخصيته ويصبح أكثر استقلالية في اتخاذ قراراته المصيرية والحياتية.

معرفة الحقيقة تحتاج بشكل كبير إلى جهد فكري ووعي ثقافي والبعد عن الشخصنة والأنانية، أن لا يؤثر المحيط والبيئة والسياسة، تسهل الوصول للحقيقة التجارب ومدى الاستفادة من هذه التجارب، تختلف الآراء في أحيان كثيرة فلا أحد يستأثر بالحقيقة وليس توجد عند أحد دون الغير.

فالإعلام والتكنولوجيا والدعاية وتقدم وسائل الاتصال دورا فعالا فهي سلاح ذو حدين يمكن استخدامه لحجب الحقيقة وكذلك لكشف حقائق يراد تمريرها فالعالم بفضل التكنولوجيات أصبح قرية صغيرة، فالمعلومة تطرح في أوجه عدة حسب متطلبات سياسية وتوسعية ومصالح ظاهرة وأخرى مخفية، أكثرها في الزمن المعاصر بسبب سيطرة القوى العظمى بعيدا عن الإنسانيات بل الفائدة والمصلحة هي المحك، الكل يدعي الوصل بليلى، في خضم تسارع الأحداث على المستوى العالمي وقوى كبرى تتصارع في كافة المجالات.

فالسياسات العالمية تحارب الحقيقة بكل الوسائل المتاحة ليس فقط باستخدام وسائل الإعلام والاتصال بل بطابور لا يعد ولا يحصى من فنون الاستخبارات والتجسس وممارسة الضغوط والحصار والوعيد والترهيب، وهذا من الابتلاءات الذي يعم خطره العالم.

عالم اليوم يخرج من أزمة ليدخل أخرى وكأن ذلك أصبح قدرا مقدر يأخد أبعاد خطيرة، من الظروف التي مرت ولا زالت على الشرق الأوسط مرورا بأفريقيا إلى أمريكا الجنوبية وصولا إلى تهديد العالم باشتعال حربا كونية بخلق بؤرة جديدة للصراع هذا اليوم تكون على مستوى قطبين عالميين، تتخطى الحرب على أفغانستان والربيع العربي والصومال وغيرهم من دول العالم الثالث الذي لا حول له ولا قوة، الواقع بما لدى القطبين من قوة عسكرية وتأهب لا قبيل له، خلق جوا من التوتر الخاسر دائما المنطقة المتنازع عليه والعالم اجمع، تكون هدفا لأطماع قوى عالمية أو استخدام هذه المنطقة من أجل تشكيل ضغط على دولة أخرى، هذا هو حقيقة الوضع المتنازع عليه بين القوى الغربية والشرقية وبروز أزمة جمهورية أوكرانيًا، فالغرب لا يكل ولا يمل من التدخل في العالم وجعل العالم ساحة لحروبه ومزيد من القلاقل والدمار لهذا العالم، يتعيش على دمار غيره، حالة من الاستفزازات المستمرة والتدخل اللامشروع وتقويض كل من يفكر بالاستقلال في قراره وهذا ما لا يروق للقوى الكبرى الذي باتت أكثر شيخوخة والضعف على المستوى العالمي، تفقد كثير من مواقعها الاستراتيجية وتهزم في كثير من الساحات سواء على الأرض أو في المحافل الدولية، في ظل هذا التراجع منذ هيمنتها على العالم منذ الحرب العالمية الثانية، بدأ كثير من الدول تبرز كقوى كبرى تزيح من أصبح في مرحلة سبات وتراجع على كثير من الأصعدة وما بات الحصار لا يجدي، لأن قوى كثير من الدول بدأت بالاعتماد على نفسها والاستفادة من طاقاتها البشرية واستغلال مواردها الطبيعية، أصبحت المليارات التي تنفق من أجل استمرار الهيمنة ترتد عليهم، اكتفت البشرية من حروبهم تقريبا في جميع بقاع العالم، اليوم يتنامى السلاح ويصنع العتاد العسكري على نطاق واسع في كثير من الدول، والأسلحة النووية والفتاكة منتشرة، بدأ العالم يدخل مرحلة التوازنات الخاسر فيها الجميع إذا كان الخيار استخدام السلاح وتفعيل الحروب، البشرية اليوم تعيش على أمل أن يكف الشر عن العالم وتتوقف الروح الشيطانية في التعامل مع الغير، إن أوكرانيا باب إن فتح سوف تفتح معه أبواب من جهنم، وان العدوانية المتمثلة في القوى المتدخلة في الشأن الأوكراني ليس فقط سترد خائبة خاسرة كما هزمت في مواقع كثيرة بل تشعل العالم حربا، فإذا تمت هزيمة تلك القوى العالمية في أفغانستان فما ينتظرها وينتظر البشرية دمار وتراجع اقتصادي في مثل هذه الحرب، يمكن الضغوطات والحصار والعقوبات أن تؤثر في دول العالم الثالث لكن من يقابل القوى العظمى اليوم قوة عظمى أخرى لا تقل عنها قوة ووجود على الساحة الدولية، وأوكرانيًا وما تعاني من ظروف اقتصادية صعبة وارتباطها بقوى الهيمنة سيزيد أوضاعها سوءا، فالقوى الكبرى لم تخرج من بلد دخلته وأصبح سالما بل مدمرا متراجعا مهدم البنى التحتية يعود للقرون الوسطى في حالة مزرية اقتصاديا واجتماعيا، ولم تكن فاعل خير منذ تأسست ولم تعمل على تقريب وجهات النظر بل إشعال فتيل الفتن، وليس من اهتمامه إرساء السلام بل حافل بخلق الصراعات وفرق تسد، وتطويق أي بلد يشكل أي تهديد بسبب نفود وأطماع، فالحرب الباردة الذي انتهت في مطلع القرن الماضي أواخر عام 1989 بتفكك المعسكر الشرقي وانتهاء حقبة من عمر البشرية، فالحرب بسبب أوكرانيا يمكن أن تتفكك قوى الشر في العالم.

هذه حقيقة الواقع العالمي أن من يؤثر في استقرار وسلامة العالم ويزيد تعقيدات الحياة ويدخل العالم في متاهات مستمرة، الأطماع والحياة المادية التي تتحكم في العقول وتنعكس على الأوضاع في العالم.