آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

صفعة هندي مُعدم

المهندس أمير الصالح *

إبان فترة الاحتلال البريطاني لدولة الهند، يُحكى أن رجل هندي مُعدم الإمكانيات المالية تعرض له مُجند بريطاني بالضرب والإهانة دون أي سبب. فما كان من الهندي المُعدم إلا أن أعاد للمجند الضرب بمقدار الصاع صاعين، ضربا وركلا انتقاما منه لكرامته المستباحة.

أفل المجند البريطاني إلى مُعسكره لجلب المزيد من القوة، بهدف سحق ذلك الرجل الهندي الفقير والمُعدم. فانتبه الضابط المسؤول عن المعسكر عند دخول المجند للمعسكر وسأله عن سبب غضبه وارتباك هندامه. فسرد المُجند ما وقع له من أحداث مع الهندي الفقير، وبأنه ذاهب لضرب الهندي الفقير بعد استدعاء بعض زملاءه وأخذ بعض العتاد والهروات.

أوقف الضابط ذاك المُجند وقال له بعض الأوامر الواجب منه تنفيذها دون أي اعتراض. ومنها: أن اذهب بمفردك للهندي الفقير وأعتذر منه! وأعطه هذا المبلغ من المال. ثم قال الضابط. للمجند، وقل للهندي أن يتاجر معنا، ثم انصرف عنه.

وبالفعل نفذ المُجند البريطاني الأوامر بالحرف الواحد. وبعد أن أمتلك الهندي ذلك المال، انخرط في بعض الأعمال التي تسد احتياجات البريطانيين هنالك يومذاك. ومع الأيام اتسعت تجارته. وكان الضابط مُراقب لكل ذلك التغيير في أحوال الهندي دون أن يشعر أحد به وعلى مدة من الزمن. وبعد أن أصبح ذاك الهندي تاجر ذو مكانة مالية مرموقة ومصالح متعددة مع البريطانيين. شعر الهندي أن لديه مكاسب كثيرة مع المستعمر وأنه أضحى يخشى أن يفقدها.

ويومذاك أُوعز ذات الضابط إلى ذات المُجند أن يذهب إلى ذات الشخص الهندي ويصفعه أمام الجميع دون أي مسبب. هنالك تغيرت ردة فعل الهندي مائة وثمانون درجة وأصبح الهندي يُصارع نفسه داخل نفسه ويساومها على أن: يرد الاعتبار لكرامته أم يتغافل ويحفظ المكاسب المالية التي هو فيها بفضل الإنجليز في الهند يومذاك. وتبنى الهندي المصفوع الانسحاب من المكان بعد تلقيه الصفعة ووضع يده على خده دون أن يتكلم أي كلمة ضد المُجند. هنا استوعب ذاك المُجند الدرس كما استوعب ذاك الهندي الدرس من زاوية أخرى.

رجع المُجند للمعسكر وهو محتار في تفسير تباين ردود الفعل لذات الموقف بين الأمس واليوم من ذات الشخص. قطع الضابط حبل سرحان المُجند وقال له: تذكر أنه عندما رد عليك الهندي المُعدم بضراوة فليس لديه ما يخسره أما الآن فلديه ما يخسره.

بعيدا عن التعميم، هكذا هو حال نفوس بعض «خطيين تحت كلمة بعض» من الموظفين السذج وقليلي البصيرة وشحاذين الشهرة عندما يكونوا في أسفل هيكل الهرم الوظيفي. وهكذا ينقلب حالهم عندما يكونوا في أعلى أو منتصف الهرم الوظيفي أو بعد أن يتم ترقيته إلى أعلى فأعلى في هيكل الهرم الوظيفي داخل الشركة. وهذا أمر أصبح غير مُستغرب في سلوك بعض الناس. بل أن ذاك الذي يُجيد الصفع والسحق للكرامات لمن هم تحت إدارته، قد يتم ترقيته لأنه أصبح من المتفننين والمتنفذين ويستمرئ ذاك البعيد عن الجميع الجلد للآخرين في أرزاقهم وكرامتهم.

وهنا على الإنسان الحصيف أن يزهد فيما عند أيدي الأشرار والأنذال من الناس لا سيما من أي شخص خان أو يخون كرامته الشخصية من أجل حفنة مال أو بقايا لحم على عظام قوة مركز وظيفة. وفي المقابل يبجل الإنسان العاقل كل شخص يدافع عن مصالح وطنه ومواطنيه وحقوق الآخرين لا سيما أهل الكفاءة وأهل الجد والمثابرة من عمال أو أطباء أو طلاب أو مهندسين أو موظفين أوفياء. فالنموذج السقيم من الإداريين الانتهازيين تراهم يعملون ليل نهار لزيادة مكاسبهم الشخصية على حساب الوطن والشركة والمواطن، حتى لو أهرق ماء وجه كرامته أو أهرق ماء وجه مواطنيه من حوله أو تلاعب بنسب التوطين فيما استؤمن عليه من إدارة. أهل العقل وأهل الحكمة والأتقياء ومحبي البلاد والعباد لا يرضون بصفعة مُعدم ولا يرضون بحرمان أهل الكفاءة أو المتفوقين.