آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:25 ص

الفاصل النفسي بين بعض الأغنياء وبعض الفقراء

المهندس أمير الصالح *

بولوج شهر رمضان المبارك حيث يتجدد تعاهد بعض الأغنياء المحسنين وأهل العطاء المتواضعين بقضاء بعض احتياجات الفقراء المتعففين لا سيما في جنبة الطعام عن طريق توزيع السلال الغذائية. الأغلب من الناس يعتقدون بأن المال هو الفارق الأساس والوحيد بين بعض الأغنياء وبعض الفقراء. وانت ماذا تعتقد؟

لو تبحر كل منا قليلا لاستكشاف جوانب الأمور من زوايا مقدارها 360 درجة، لرأينا أن الأمور التالية هي حدود فاصلة في تمييز بعض الأغنياء عن بعض الفقراء:

1 - مستوى المعرفة والوعي

2 - مستوى الإقدام على المخاطرة

3 - مستوى التوجيه في اقتناص الفرص

4 - تنوع مصادر المعلومة الصحيحة وتمام توظيفها

5 - مستوى حسن الترويج للذات

7 - مستوى الثقة بالنفس

8 - نوعية الزملاء المحاط بهم ومدى التأثر بهم سواء مع أفراد مُحبطين أو ناجحين

9 - أنماط التعامل مع المال في الإنفاق والادخار والاستثمار «راجع كتاب سيكولوجية المال»

في عصر انتشار مصادر المعرفة حيث الإنترنت وتعدد التطبيقات وتنوع برامج التعليم المجانية، أضحى باب المعرفة مُشرع على مصراعيه لأغلب الناس وأتيحت الفرصة حتى لمن لهم نصيب متدني من التعليم الرسمي أو ممن هم بعيدين عن المدن والحواضر الكبرى.

عند بداية وجودنا على هذا الكوكب الجميل: لم يكن بأيدينا الاختيار في أي عائلة نولد ولا لأي أسرة ننتمي ولا لأي بلد نُنسب. ولم يكن اختيار لون وعرق ودين الوالدين يقع في دائرة الخيار المتاح لأي منا. وفي مسار حياتنا العادية أيضا هناك من الناس من لا يدفع أعباء مصاريف دراسته في المدارس الخاصة أو علاجه في المستشفيات المرموقة أو ترفيه لذاته لأنها خدمات موفرة له من قبل والديه أو أجداده المتمكنين ماليا. وفي يومياتنا، نلتقي مع عدد من الناس ممن لا تؤرقه قفزات فواتير الكهرباء ولا تصاعد أسعار العقار ولا تضخم أسعار المواد الغذائية لان والديه هم من يهتم بدفع تكاليف كل ذاك. فإن كنت أحد أولئك فكن من الشاكرين لله وإن لم تكن فاستعن بالله وابذل جهدك حتى تعين نفسك وأبناؤك لكي تصلوا لتلكم المحطة المريحة. ولنتذكر جميعا أن الاحترام والإعجاب يناله أهل المثابرة وليس أهل الكسل أو المعتمدين على الآخرين.

ومع الاعتراف بنفس راضية وقانعة من الشخص المعني بالتالي:

1 - ذلك التفاوت في معدل الدخل المالي بين الناس والمستوى المعيشي والطبقي هو واقع يجب توظيفه من قبل الشخص كمحفز للعمل والمثابرة

فبعد أن يعقد الشخص مع نفسه تصالح ذاتي، ينبغي حينئذ أن يُثابر لتخطي تلكم العقبات والتي يمكن معالجتها من قبل المثابر بإصرار. وليجعل ذلك الإنسان من نفسه مشروع تغيير للأفضل ونموذج يحتذى به. نعم، لكل منا نقطة انطلاق في سباق الحياة وإن كانت الحياة أعطت فرص وامتيازات أفضل لدى البعض عن البعض الآخر في بداية السباق ولكن الجهود المتضافرة تصنع نهايات مختلفة عن البدايات. وعند الانطلاق في سباق الحياة بشكل مستقل من قبل المتسابقين فإن الأمر يستدعي من المتسابقين أن يبذلوا قصارى جهدهم ليتحصلوا على مراكزهم المناسبة في مجال الكرامة المالية وحفظ ماء الوجه والقيمة الاجتماعي.

فمن كان كسولا ومتكئ على أموال والديه أو يفترض انعدام انقطاع عطاء جمعية ما، فإن من كان غنيا بالأمس قد يصبح فقير يوما ما. ومن كان مثابرا وإن كان قليل المال والحيلة وان شاكسته الحياة في بداية مشواره فقد يختتم رحلته بمكانة رفيعة وكرامة عالية ونموذج يُحتذى به.

إذا محور الفرق بين بعض الأغنياء وبعض الفقراء هو الفاصل النفسي في حب العمل والمثابرة الدؤوبة للإنجاز أو الركون للكسل والاتكاء على عطايا الغير دون أي مبرر مسوغ.

وأخيرا اختم مقالتي بمقولة وردتي حديثا عن مفهوم الإنفاق من زوايا مختلفة وأحببت أن أشارككم إياها: ”جميلة الآية الكريمة التالية وكل آيات كتاب الله جميلة... ﴿لينفق ذو سعة من سعته

فإن كانت سعتك في الكلمة الطيبة فأنفق منها...

إن كانت سعتك في البسمة الصافية فأنفق منها...

إن كانت سعتك في النصيحة المخلصة فأنفق منها... إن كانت سعتك في معاونة الآخرين فأنفق منها...

إن كانت سعتك في الدعاء وإن كان بظهر الغيب فأنفق منه..

ليس الإنفاق مال وفقط...

”الناس من حولك كل في همه وشغله وألمه، فكن لهم عوناً على السير في الطريق بالكلمة الطيبة أو العطاء أو البسمة...“.