آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 12:26 م

الرعاية.. الاحتضان.. التبني

المهندس أمير الصالح *

غرد مفكر عربي من أبناء الوطن ممن له ثقل فكري رفيع ومنزلة ثقافية مرموقة واحترام كبير في الوسط الوطني، غرد عبر تطبيق تويتر عن موضوع التبني وحث على تفعيله محليا أو هكذا فهمت مما قرأت من تغريدته. وغرد آخرون عن موضوع رعاية الأيتام معروفي النسب. وغرد آخرون عن موضوع الاحتضان للأيتام ومجهولي النسب «كريمي النسب تعبير لفظي لاحترام نفوس وهوية اللقطاء» في تغريدات أخرى دونما أي تمييز. والواقع المعاش في عالمنا اليوم، تتبنى معظم الجمعيات الخيرية في الوطن العربي مشاريع الرعاية للأطفال اليتامى. وشخصيا كما الكثير من الناس احلم بإطلاق مشروع دور رعاية للأيتام والعجزة في ذات الدور في مسقط رأسي. وأتطلع لتكاتف الجهود والتعاضد في هذا الصدد لإنجاح هذه الفكرة.

بناء على التغريدات، لدينا مصطلح يتيم ومصطلح غير معروف النسب ومصطلح رعاية ومصطلح احتضان ومصطلح تبني. مع شديد الأسف التعليقات التي وردت على بعض التغريدات تداخلت فيها المفاهيم والإسقاطات بشكل شائك وكان لابد من التعليق على الموضوع ولو على عجالة.

نؤمن من حيث المبدأ أن كل تلكم الدعوات للتبني أو الاحتضان أو الرعاية انطلقت من قلوب مليئة بالحب والشفقة والحنان والرحمة على أطفال بني الوطن وبني الإنسان ممن لا يجدون حضن يرعاهم. وهذا هو عشمنا في الجميع ممن غردوا وتفاعلوا بإيجابية. فشكرا لهم جميعا ونطلب الله أن يرزقهم بأحسن مما في نياتهم من الفلاح والنجاح. إلا أن لكل مفهوم من تلكم المفاهيم: الاحتضان - الرعاية - التبني دلالات وقراءات فكرية مختلفة وأبعاد نفسية جمة على المستفيدين من تلكم الخدمات.

فمثلا مفهوم التبني وهو المفهوم الأكثر جدلية في وسط الشعوب البلاد الإسلامية ومن أكثر المواضيع حضورا في حياة بعض دول الغرب. وهو مفهوم يمتد إلى إعطاء اسم الأب والعائلة للطفل المجهول النسب أو اليتيم المُتبنى. بينما مفهوم الرعاية، فهو مقصور على إعطاء الرعاية والإيفاء بالالتزامات الغذائية والصحية والإيواء والتعليم الأولي وبعض الجوانب الاجتماعية وكفاف النفقات المالية والتعليم المهني لمن تم رعايته من قبل بعض المحسنين من خلال الجمعيات الخيرية دون إلحاقه نسبا بمن رعاه أو أغدق عليه من ماله أو وقته أو طعامه أو تعليمه. بينما مفهوم الاحتضان يتجاوز مفهوم الرعاية إلى ما هو أكثر شمولية ويغطي جوانب الاحتضان العاطفي والنفسي والروحي والتربوي والسلوكي والتعليمي إلى جانب المادي والإيواء والغذاء.

يتحدث عدة أخصائيون في برنامج ”نفسيتي“ في عدة حلقات إذاعية تم بثها عبر تطبيق البودكاست عن أبعاد وارتداد التخلي عن الإنسان المُتبنى من قبل من تبناه في مرحلة مقتبل شبابه. ويورد الأخصائيون النفسانيون استشهادا بعدة دراسات أن التخلي عن الإنسان المُتبنى في بعض المراحل العمرية قد يحطمه من الداخل النفسي ويلخبط كينونة هويته وثقته بنفسه وانتماءه. وقد يجعله شخص ناقم على كل المجتمع والوطن. ويقول أخصائيون نفسانيون آخرون أن هناك معضلات كبيرة تنبثق من موضوع التبني لمجهولي النسب ومنها الاستغلال الجسدي والعاطفي. وهناك حراك فكري في أبعاد توطين مفهوم التبني لمجهولي النسب وقد يترتب عليها إعادة برمجة كاملة لبعض المفاهيم في موضوع إغفال محاسبة المفتعل الأساس للأزمة «الرجل والمرأة الزناة».

في بعض الدول تم تشريع التبني فيها بعد انتشار العلاقات الغير شرعية والإخفاق في تنظيم الأنساب بحجة حرية العلاقات وحرية الفرد المطلقة بجسده أفرز قبول لمصطلح الأم العزباء single mother وأفرز غض النظر عن معاقبة المتسبب في إيجاد اللقطاء والإخلال بالبناء الأسرى وأفرز. وجود دور بغاء منظمة وغير منطمة وأفرز وجود استغلال شبه علني من قبل الإنسان لأخيه الإنسان. وفي المقابل هناك بعض المجتمعات التي استطاعت من تشريع الرعاية والاحتضان ومكافحة الزنا وسد باب الرذيلة وإغلاق أبواب العلاقات المحرمة المسببة لوجود لقطاء في ذات الوقت. وكان في التشريع القرآني العظيم والتشريع النبوي الشريف الشيء الكثير والكبير للحض بتحصين الشباب من الوقوع في الرذيلة وسد باب تولد اللقطاء وضحايا العلاقات المحرمة. نعم يواجه الشباب تحديات اقتصادية في تكوين أسرة ونعم هناك فلتان في بعض السلوكيات بسبب التأثر الثقافي وسوء استخدام عالم النت وتعدد تطبيقات عقد العلاقات الهابطة. ونعم هناك شروط تعجيزية باهظة تُفرض عند إقدام الشباب على الاقتران بزوجة مستقبله. نعم هناك عزوف من الفتيات عن الزواج بسبب الإعراض عن تحمل مسؤولية الالتزام نحو التربية والإنجاب والزوج تحت عنوان العيش بحرية. ولعل من الجميل أن يُهدف أهل القلم والفكر والثقافة والوعي بعض من كتاباتهم لاقتراح حلول جذرية لتلكم التحديات. من الجميل أن نحمل نوايا حسنة نحو كل إنسان. ومن الأجمل أن نساهم في تعميق مفاهيم الحق والاستقامة في السلوك لننعم بالرحمة والبركة والسلامة. وجود لقطاء ناتجين عن علاقات غير شرعية يعني فيما يعني إمكانية وجود كارهين المجتمع وناقمين عليه ويمكن أن يكونوا لا سمح الله ألد أعداء المجتمع الذي أنتجهم. وهناك مصطلح ”أبناء الشوارع“ تعبيرا عن سوء الأخلاق ونكران المعروف وجحد الجميل. وذات المصطلح يستخدم ويُطلق في بعض الدول على اللقطاء.

بالرجوع إلى مفهوم الاحتضان فإن في بعض الدول العالمية مثل بريطانيا وكندا تم إطلاق دور رعاية تضم كبار السن والأيتام. وهذه التجربة الرائدة حظت باهتمام عالمي لدى التربويين وعلماء الاجتماع وأهل الإحسان في العالم. وفي أحد الدول العربية، جمهورية مصر العربية الحبيبة، تم إطلاق مشروع ”قرية الأطفال“ لتغطي جوانب الرعاية والاحتضان لمن هم بحاجة لذلك من الأيتام الأطفال والعجائز ودون التبني لأي منهم.