آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

دروس من كأس العالم 1: عجز الإنسان

علي طالب آل ناصر

﴿وَخُلِقَ آلْإِنسَٰنُ ضَعِيفًا [النساء، 28].

انطلقت يوم الجمعة 9 ديسمبر 2022 مباريات ربع النهائي لبطولة كأس العالم المقامة في قطر، وكانت افتتاحية هذا الدور هي المباراة التي جمعت المنتخب الكرواتي بنظيره البرازيلي. وشهدت المباراة لقطةً مثيرةً للجدل عندما لمست الكرة يد لاعب المنتخب الكرواتي يورانوفيتش في الدقيقة الثامنة والأربعين داخل منطقة جزاء فريقه، لكن الحَكَم لم يحتسب ركلة جزاء للبرازيل ولم يرجع لحكم الفيديو المساعد «الڤار». انتهت المباراة بفوز المنتخب الكرواتي بركلات الترجيح، وبذلك تكون البرازيل قد غادرت كأس العالم من دور ربع النهائي للمرة الثانية على التوالي والمرة الرابعة في آخر 5 بطولات، بعد أن كانت من أقوى المرشحين لنيل اللقب. طالت الانتقادات التحكيم، وحمّل بعض مشجعي البرازيل الحَكَم مسؤولية الخروج من المونديال.

ليست هذه أول مرة أتابع فيها كأس العالم، فقد كانت نسخة 2006 المقامة في ألمانيا أول كأس عالم أتابعها، ودائماً ما كانت الأخطاء التحكيمية تثير المشاكل والجدل في كرة القدم بشكل عام، وكأس العالم بشكل خاص لما لهذه البطولة من أهمية. ومنذ تلك النسخة حتى النسخة الحالية حدثت الكثير من التغييرات، فمع التقدم العلمي الذي شهده العالم في السنوات الأخيرة بدأ إدخال التكنولوجيا في كرة القدم لمساعدة الحكام في اتخاذ قرارات أكثر عدالة، ولتجنب الأخطاء التحكيمية قدر الإمكان.

ففي بطولة 2014 التي أقيمت في البرازيل تم استخدام تقنية خط المرمى لأول مرة، وهي تقنية تساعد الحكام على معرفة ما إذا كانت الكرة تجاوزت خط المرمى بكامل محيطها. وكان السبب في تطوير هذه التقنية هو هدف اللاعب الإنجليزي فرانك لامبارد المُلغى ضد ألمانيا في دور ثمن النهائي لعام 2010 رغم تجاوز الكرة لخط المرمى بكامل محيطها، وقد اعتبر الألمان إلغاء الهدف كعقاب للإنجليز بسبب الهدف الشبح الذي احتُسِب لهم في نهائي عام 1966 [1] . وفي عام 2018 تم الإعلان عن استخدام تقنية حكم الفيديو المساعد «الڤار»، وقد استُخدِمت غالباً للكشف عن حالات التسلل وضربات الجزاء، وقد ساهمت التقنية - على سبيل المثال - في ارتفاع عدد ضربات الجزاء المحتسبة من 13 في نسخة عام 2014 إلى 29 في نسخة عام 2018 [2] . لكن هذه التقنية واجهت مشكلة إضاعة الوقت أثناء مراجعة الفيديو كما أنها لم تكن بتلك الدقة الكافية لحسم حالات الجدل، فقررت الفيفا في النسخة الأخيرة في قطر إدخال تقنية كشف التسلل شبه الآلية SAOT التي تُعد امتداداً لتقنية الڤار، وتعمل هذه التقنية بتوزيع عدة كاميرات في أماكن متفرقة في الملعب لالتقاط صور متعددة من أكثر من زاوية. وقد صرح رئيس قسم التكنولوجيا في الفيفا سيباستيان رونج قائلاً: «نحن نتتبع اللاعبين بمقدار 50 إطارًا في الثانية؛ أي نعرف مكان تواجد اللاعبين 50 مرة في الثانية وتتوفر هذه المعلومات في النظام. وينطبق الأمر ذاته على الكرة ولذا نعرف أين توجد الكرة وأين يوجد القدم وبناءً عليه نعرف“نقطة ركل الكرة”» [3] . بالإضافة إلى كل ذلك تم استخدام حساسات عالية الدقة مثبتة داخل كرة المباراة، وهي التي حسمت الجدل في هدف البرتغال الأول ضد منتخب الأوروغواي في الجولة الثانية ضمن مرحلة المجموعات، حيث أكدت شركة أديداس المصنعة لكرات المونديال أن الكرة لم تلمس رأس كريستيانو رونالدو، وسُجل الهدف باسم زميله برونو فرنانديز[4] .

كل هذه التقنيات التي وُضعت تحت تصرف الحكام ظهرت في فترة قصيرة نسبيًّا لا تتجاوز عقداً من الزمن، وأثرت بشكل كبير على اللعبة، وغيرت نتائج مباريات وربما بطولات، حتى إن البعض ليتذكر نتائج مباريات سابقة أثارت قرارات الحكام فيها الكثير من الجدل، ويقولون: لو كانت هذه التقنيات موجودة وقتها لما فاز الفريق الفلاني بالبطولة الفلانية، ولكان اللقب ذهب للفريق العلاني. برغم كل هذا التقدم التكنولوجي إلا أن الجدل التحكيمي لم ينتهِ حتى الآن، ولا أظن أنه سينتهي. وليس ذلك بسبب التقنيات أو لضعفٍ فيها، وإنما السبب الجوهري هو طبيعة الإنسان نفسها، فمهما بلغ هذا المخلوق من التطور والتقدم سيظل عاجزاً وضعيفاً، ولعلها رسالة إلهية يريد من خلالها الباري أن يربينا على التواضع ويعرفنا بقيمتنا ومكانتنا الحقيقيتين. وصدق حيث يقول: ﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج، 73].

 


[1]  تعود قصة هذا الهدف لنهائي كأس العالم عام 1966 الذي أُقيم في إنجلترا. كانت المباراة النهائية بين منتخب إنجلترا ومنتخب ألمانيا الغربية، وانتهى الوقت الأصلي بنتيجة التعادل الإيجابي 2-2 فانتقلت المباراة للأشواط الإضافية، وسدد اللاعب الإنجليزي جيوف هورست الكرة باتجاه المرمى، فارتطمت بالعارضة ونزلت للأرض من دون أن تتجاوز خط المرمى بكامل محيطها، لكن الحكم احتسب الهدف بعد استشارة حكم الراية، ولا يزال هذا الهدف يثير الجدل حتى اليوم رغم مرور أكثر من نصف قرن على المباراة. من وجهة نظري الشخصية أرى أنه جدال لا طائل من ورائه، فإنجلترا سجلت هدفاً رابعاً في الدقيقة الأخيرة من الوقت الإضافي لتصبح النتيجة 4-2، فلو فرضنا أن الحكم لم يحتسب الهدف يومها لبقيت النتيجة لصالح إنجلترا.

[2]  Akulov، O. «A. «2018، July 20». FIFA World Cup penalties awarded. Kaggle. Retrieved December 12,2022، from https://cutt.ly/D9h9xPC

[3]  تقنية التسلل شبه الآلية تساعد الحكام والجمهور في كأس العالم للأندية FIFA، 9 فبراير 2022. موقع الفيفا: https://cutt.ly/Q9h9v92

[4]  الفيفا يحسم الجدل.. رونالدو لم يلمس الكرة والهدف الذي هز شباك الأوروغواي يحتسب لصالح فرنانديز، يورونيوز، 29/11/2022. الموقع الإلكتروني: https://cutt.ly/v9h9nNH