آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

تحديات العام 2023 «الحلقة 12»: اقتصادنا = النفط++

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

كم غيرنا النفط؟ في العام 1968 كانت قيمة الناتج المحلي الإجمالي نحو 67 مليار دولار بالأسعار الثابتة، وحالياً «العام 2022» يتجاوز 726 مليار دولار كذلك بالأسعار الثابتة، أي تضاعف حجم الاقتصاد نحو 11 ضعفاً. ولا يمكن تجاوز كيف ساهم النفط في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وأحدث على مدى ثمانية عقود قفزة نوعية جعلت المملكة في المقدمة اقليمياً وضمن أكبر الاقتصادات عالمياً.

ومن الآثار الجانبية، التي لم يكن من السهل تجنبها، أن أصبح اقتصادنا نفطياً من رأسه لأخمص قدميه. أما ما يمكن تجنبه هو طرح أهمية جَلّب شريكٍ للنفط يُقابل من بعضنا باستهجان عظيم، وذلك على الرغم من أن الألسنةُ خَشبت، والحناجر بُحتّ، والعقول سئمت تكرار مقولة“تنويع الأنشطة الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل”على مدى نصف قرنٍ دون أن تكون لها أولوية التنفيذ. وما جلبتهُ الرؤية أمراً كانَ مفقوداً؛ موعداً لبلوغ خط“التنوع الاقتصادي”. ولعل من المناسب توضيح أن المقصود بتنويع الأنشطة الاقتصادية، أي تنويع مساهمتها في توليد قيمة مضافة للناتج المحلي الإجمالي، وهذه في الأساس مسؤولية ملقاة على المشاريع الإنتاجية والتي يجب أن تكون في يد القطاع الخاص. أما المقصود بتنويع مصادر الدخل، أي مصادر دخل الخزانة العامة؛ من إيرادات نفطية وغير نفطية.

راقَ لي كثيراً ما قاله وزير التجارة الأمريكي السابق، ويلبر روس، المُجَرب والمحنك، قبل حوالي أربع سنوات في نيويورك في الجلسة الافتتاحية للقمة السعودية - الأمريكية للتنفيذيين، التي عُقدت ضمن الفعاليات المتزامنة مع زيارة سمو ولي العهد: أن رؤية السعودية 2030 وما سيجلبه التحول للاقتصاد السعودي يُحتمل أن يكون له أثر على المملكة يتجاوز أثر اكتشاف النفط قبل ثمانين عاماً. وأضاف: أعتقد أن لدى السعوديين فرصة كبيرة جداً جداً للنجاح، وبوجود التنفيذين في هذا الملتقى يجعل فرصة النجاح أكثر رجحاناً.

ويلبر روس شخصٌ ناجح مهنياً، فقد تمكن من تحقيق ثروة من إعادة هيكلة الشركات في مهنته كمصرفي استثماري، وليس من الشك أن السيد روس من المؤمنين بالرؤية، فقد تحدث عنها بإيجابية وحماس في أكثر من مناسبة، بما في ذلك ملتقى التنفيذيين السعوديين الأمريكيين، الذي عقد في الرياض العام 2017. آتي على ذكره اليوم لأنه وضع مبكراً النقاط على الحروف من وجهة نظر خارجية، ليس لنا ولكن لمجتمع التجارة والاستثمار في الولايات المتحدة، حيث بين في كلمته:“أن الشراكة مع السعودية ليست أمراً طارئاً، فقد وقفنا مع المملكة منذ العام 1938، حينما بدأوا بتطوير مواردهم من الهيدروكربون. والآن، وبعد انقضاء ثمانين عاماً نحن نقف معهم وهم على مشارف تحول اجتماعي - اقتصادي. هذا التحرك، أعتقد، قد يكون أكثر عمقاً وأبعد أثراً لمجمل المشهد الجيوسياسي من النفط. السعوديون يسعون لاستخدام ثروتهم النفطية كرافعة، وفي نفس الوقت التوسع في التكرير والبتروكيماويات. وإن نجحوا، فسيجنون قيمةً أعلى من سلسلة التزويد بأن يبيعوا ليس فقط اللقيم ولكن المنتجات ذات القيمة الأعلى”. ونبه روس، وهو فَطيّن، إلى أن السعودية لم تمس - للحد البعيد - ثروتها من الموارد المعدنية، والتي تقدر بنحو 1,3 تريليون دولار، والتي تشمل اليورانيوم والذهب والنحاس.

وأوضح الوزير السابق روس أن ما يشجعه أكثر من الخطط الكبيرة هو نظامٌ تفصيلي للمؤشرات لقياس الإنجاز، عندما قال:“ذلك المستوى من الدقة الذي يسعون من خلاله إدارة التحول الهائل في وطنهم. ”

الآن وبعد انقضاء كل هذه السنوات فنحن في منتصف المسافة؛ حققنا الكثير وما زال أمامنا الكثير للتحول الاجتماعي - الاقتصادي الذي تنشده الرؤية؛ التحدي هو أن ندرك جميعاً ذلك نساهم كُلنا لتحقيق تواصلاً لمساهماتِ عقود مضت.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى