آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:48 م

مؤتمر”ليّبّ“ ومبادرة ”تمويل نمو التقنية“ وماذا بعد؟!

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

نريد نمواً اقتصادياً؟ ثمةَ توافق - بين الاقتصاديين - أن الوسيلة لتحقيق ذلك هي التقنية، فالتقنية هي الجالبة لمزيد من الإنتاجية، التي تجلب الازدهار.

ينطلق اليوم مؤتمر”ليّبّ“، بمساراته المتعددة، وهو حدث تقني عالمي تستضيفه الرياض سنوياً. لا يتناول هذا الحيز المؤتمر بحد ذاته، بل يتناول زاوية تمثل محوراً للمؤتمر ارتكازاً إلى رؤية 2030 وهي المشاريع التقنية الناشئة أو الواعدة أو عالية النمو، وبصورة أكثر تحديداً الاستثمار في هذه المشاريع. لكن هذه المشاريع لا تتفتق عادةً من شركات بل من أفراد أو مجموعات صغيرة من الرياديين المبدعين. فهل يحتفي هذا المؤتمر بالرياديين المبدعين من السعودية وبقية البلدان؟ وبالقطع، أن الاهتمام بهذه الشريحة ليس متجرداً أفلاطونياً بل بهدف إنشاء شركات في المملكة أو جلب شركاتهم إلى المملكة.

على الرغم من تحديات الجائحة، لم تتزحزح المملكة عن الالتزام بتحقيق الرؤية، ومستهدفاتها ال 96، في المستوى الثالث، المنبثقة عن 27 هدف من المستوى الثاني، والمستخلصة من 6 أهداف من المستوى الأول. بل زادت المملكة إصراراً على الوصول للمستهدفات وفق خط النهاية المحدد وهو العام 2030. ويتضح ذلك أن العام 2020 شهد إطلاق استراتيجيات جوهرية وولادة أحد أهم برامج تنفيذ الرؤية، ومن تلك الاستراتيجيات استراتيجية سوق العمل، ومن البرامج برنامج تنمية القدرات البشرية.

وعلى الرغم من الأهمية الحرجة لسوق العمل ولتطوير وتنمية رأس المال البشري، إلا أن التوجه انساق كذلك لتحرك يشمل الاقتصاد ككل بكافة مكونات وحدود الناتج المحلي الإجمالي وبما يعزز نموه، فأطلق ولي العهد مبادرات متتابعة على صلة بالاستثمار، كان آخرها المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية وقبلها الاستراتيجية الوطنية للاستثمار وقبلها برنامج”شريك“، فقد حدد سموه في كلمته بمناسبة إطلاق البرنامج أن مكونات الضخ الاستثماري للمملكة حتى العام 2030 تناهز 27 ترليون ريال سعودي، موزعة كالتالي: 3 تريليون تنفيذاً لاستراتيجية صندوق الاستثمارات العامة، 4 تريليون تنفيذاً للاستراتيجية الوطنية للاستثمار، 5 تريليون برنامج”شريك“، 10 تريليون الإنفاق الحكومي، 5 تريليون الاستهلاك الخاص.

وفيما يتصل بالريادة، فتجدر الإشارة إلى أن الاهتمام بريادة الأعمال أتى مبكراً، فقد كان انعقاد”ملتقى ريادة الأعمال“برعاية سمو ولي العهد قبل أسابيع قليلة من إعلان رؤية المملكة 2030، تحت شعار”الشباب طاقة وهمة وإبداع وأعمال“. ومع انطلاق الرؤية كان هناك العديد من المبادرات التي تمحورت حول المنشآت الصغيرة والمتوسطة عموماً، ومنها ما تناول تحديداً البرنامج الوطني لتنمية تقنية المعلومات، ميزانية 2,5 مليار ريال، والذي أطلق قبل قرابة عام مبادرة دعم ريادة الأعمال التقنية خلال فعاليات النسخة السابقة من مؤتمر”ليّبّ“. حيث توفر المبادرة الدعم المادي للرياديين التقنيين، واقترانهم مع شركات عالية النمو وحاضنات ومسرعات أعمال محلية وعالمية. ومن المبادرات رئيسة للبرنامج مبادرة”تمويل نمو التقنية“، تهدف المبادرة إلى تمكين شركات تقنية المعلومات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من تحقيق فرص النمو من خلال تقديم ضمان يصل إلى 15 مليون ريال على التمويل المطلوب من البنوك والجهات التمويلية المشاركة. السؤال: كم شركة تقنية استفادة من هذه المبادرة حتى الآن؟

وتتكامل مبادرة”تمويل نمو التقنية“مع مبادرة أخرى للبرنامج وهي”طموح التقنية“، والتي تستهدف الشركات التقنية الصغيرة والمتوسطة المتسارعة النمو، لتسريع نمو الشركات المستهدفة في القطاع، بالإضافة إلى توسّع الشركات المستهدفة في أسواق إقليمية ودولية وصناعات محلية جديدة، وزيادة تبني هذه الشركات للتقنيات الناشئة، مما سينعكس على نمو الإيرادات وتوليد الوظائف وزيادة إسهام القطاع التقني في الناتج المحلي. وهذا يقودنا إلى السؤال الثاني: هل هذا كافي لاستقطاب الرياديين من خارج المملكة لينشئوا شركاتهم هنا؟ لعل هذا الأمر بحاجة إلى يضيف البرنامج مبادرة جديدة لاستقطاب الرياديين عالمياً، هذا إذا ما أردنا أن نركز على الفكرة الأساس: حفز النمو لتصبح الشركة الناشئة عملاقاً تقنياً. ومَنّ يرغب أن تكون المملكة حاضنةً لإبداعاته وتقنياته من كافة أنحاء العالم فأهلاً وسهلاً، ومبررٌ دعمه ما دام ذلك مجدياً، ولا بأس من أخذ قدرٍ من المخاطرة، فعندما تثمر هذه الابداعات والتقنيات شركات متنامية ف”خراجها”للاقتصاد الوطني.

ومن هذا المنطلق فمهم أن تعقد المؤتمرات والمنتديات والملتقيات، ولاسيما التقنية منها، فهي تجلب في حد ذاتها قيمة من خلال ما تتيحه من محتوى قَيّم يعرضه أرباب الريادة وقادة الفكر، وما لا يقل أهميةً هو تسجيل النتائج المباشرة وغير المباشرة والناجمة عن انعقاد الملتقيات الريادية والاستثمارية الكبرى.

ولنتذكر أن الضخ الاستثماري المتنامي أياً كان مصدره؛ أفراد أم شركات محلية أو أجنبية، سيعني تحقيق جملة كبيرة من أهداف الرؤية، فهي تعتمد على تحفيز الطلب وتوسيع سعة الاقتصاد المحلي واستيعاب الموارد البشرية والطبيعية استيعاباً منتجاً بما يرتقي بالبنية التحية وبالآلة الإنتاجية بما يؤدي لزيادة الطلب على المنتجات المحلية ويعزز المحتوى المحلي ويزيد رصيد صافي الصادرات لصالح الاقتصاد السعودي بما يدّعم الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وتعزيز ميزان المدفوعات هو المستفيد كذلك من توافد تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وتقلص التحويلات الخارجية للعمالة عبر استيعابها محلياً من خلال تنويع خيارات الاستثمار للمواطنين والمقيمين. وهكذاً، فالحقبة القادمة هي زمن الاستثمار لتحول الاقتصاد السعودي لتحقق معدلات نمو أعلى تتجاوز معدل النمو المحتمل «Potential GDP Growth» لتحقيق العشرات من مستهدفات الرؤية بالتوازي. ولن يحقق ذلك إلا ضخ استثماري هائل، فالاستثمار هو”وقود“ النمو.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى