آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:12 م

زلزال

المهندس أمير الصالح *

أطرق سمعي ما قاله مراسل صحيفة نيويورك تايمز عن وضع ضحايا الزلزال بعد اليوم الرابع من وقوع الزلزال الأول، قائلا: the desperate race against time in freezing temperatures to find signs of life amid the rubble.

نعم الإنسان يكون في سباق محموم مع الزمن لانقاذ ارواح أطفاله وبناته وآبائه وأمهاته وأحبائه وأبناء مجتمعه ووطنه في النوائب والكوارث الطبيعية لاسيما الزلزال. الا ان البعض من الناس ينعدم عنده الاحساس الآدمي اتجاه الآخرين فياوقات الرخاء إلى حد الزهو والاستخفاف بل ويحول نعمة الوقت الفائض إلى قتل الفراغ في تفاهات شتى. وبعضها يصل إلى صناعة التهكم على. حوادث ونكبات. وإزهاق أرواح أناس آخرين. بدل شكر النعمة والعمل الجاد لإتقان مهارات جديدة نافعة وتسخير الأدوات والعالم الافتراضي لنشر الفضيلة.

زلزال تركيا - سوريا المفجع، أيقظ لدى المتابعين المنصفين لنشرات الأخبار، مشاعر إنسانية جياشة. وكان وما زال محور ومحرك تلكم المشاعر الراقية هو: الإنسان والأسرة. فمعظم مقاطع الفيديوهات المتداولة تغطي حالات الانكسار الإنساني الكبير عندما يفقد الشخص اهل بيته وأفراد أسرته وأبنائه وآبائه وأمهاته واخواته وأنسابه وجيرانه الأوفياء وأحبائه. وهناك الكثير من تلكم المقاطع واللقطات التي حركت دواخل وشجون الكثير من الناس لملامستها للقلب من الداخل.

في المقابل نرى أن أناس حولنا في رغد من العيش وبحبوحة منه، يبخسون أهلهم وآبائهم وأمهاتهم وإخوانهم وأهل بيتهم حقوق صلة الرحم. ويصل الأمر ببعضهم حد القطيعة واللامبالاة بأهله وأفراد أسرته وأبناء بلده. إننا نعلم بأن العالم يمر بأكثر من زلزال في آن واحد: زلزال اقتصادي مرتقب وكوارث طبيعية وانتشار أوبئة وأعاصير وبراكين وفيضانات وحروب ومجالات وشح طاقة وفقدان حقوق وتلوث بيئة وترويج للرذيلة وتفكيك الأسر وقتل مفهوم الأسرة وغلاء أسعار وذوبان عملات. حتى أصبح الإنسان يصبح على خبر كارثة ويمسي في ذات اليوم على خبر كارثة أخرى. ولعل أكبر الكوارث الموغلة عمقا في النفوس هو زلزال تسارع معدل تفكك بعض الأسر وفرط كيانها.

مناطق عديدة حول العالم وقع فيها زلازل واسترد أهلها العافية بعد حين، فبنوا مدينتهم من جديد. إلا أن ألم فراق الأحباء موغر في قلوب أبنائهم واخوانهم وآباءهم واحفادهم. ومن هنا نعيد تأكيد اهمية ترابط عناصر الاسرة واهمية الانتماء للاسرة والدعوة للانصهار بين أفرادها والتضحية من اجل ترابطها وتوطيد القيم السامية بين أفرادها.

مفهوم تكوين الأسرة يتخطى كلمة ”قبلت“ في فترة إبرام عقد نكاح بين امرأة ورجل إلى مفاهيم أكبر لإنجاح ذاك العقد وضمان نسبة عالية في استمرار كيان الأسرة. لعل أهم خواص تكوين الأسرة المتكاملة هي قدرة الأب والأم تعاضدا وتكاتفا وتفاهما على حل المشاكل والتحديات التي قد تطرأ بين الحين والآخر من الأبناء أو بينهما أو مع أطراف أخرى أو بسبب عائق مالي أو سوء استخدام الموارد أو محدودية الموارد المالية.

باختصار، العائلة توحي للجميع بمشاعر كثيرة:

1 - ضمان واستقرار عاطفي
2 - ضمان نفسي
3 - تأمين تكافلي
4 - ادخار للعلاقات
5 - حب نقي
6 - استحقاق مكافأة حسن أداء المعروف مضمون
7 - سند وقوة وعزوة في الحل والترحال
8 - كهف حصين
9 - سنام قوة
10 - مكان آمن
11 - وقت ممتع
12 - أكل طيب
13 - نوم هادئ

كل هذه الأمور لا تضمنها لك بطاقة تأمين مالي ولا أملاك ولا عقارات ولا أرصدة مالية ولا منصب وظيفي ولا وجاهة اجتماعية ولا انتماء مهني ولا تجمع طلابي ولا عضوية نادي ولا حمل جواز أزرق أو أحمر. فقط وفقط الأسرة هي المربع الذهبي للاستقرار والطمأنينة والحب والامان والمودة.

فعند سماعنا بوقوع حالة طلاق أو انفصال أو خُلع، يحس العقلاء الأوفياء بانقباض قلوبهم وأن زلزال من تحت الأقدام قد وقع في بيت الانفصال وتصدع في بناء المجتمع وشرخ في جسور العوائل. ويعيشون ألما لهذا الأمر لما له من تبعات وضحايا وتشريد واكتتابات نفسية وحرمان. ختاما، نعزي أبناء الشعب التركي والسوري في ضحايا الزلزال الحالي ونسأل الله أن يحجب الكوارث الطبيعية والغير طبيعية والعائلية عن أوطاننا ومجتمعاتنا. والحقيقة لقد اشتقنا لسماع أخبار مفرحة وأنباء سارة على مستوى عالمي ومحلي. فلنكن وإياكم من صناع الإخبار السارة وتقريب وجهات النظر وإصلاح ذات البين. مناطقنا بحمد الله ليس بها زلازل طبيعية ولنعمل سويا على ألا يكون في مناطقنا زلازل أسرية.