آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

الحوار بين المثقفين العرب

طالب عبد الحميد البقشي *

في هذا المقال يسلط الضوء على علاقة الحوار بين المثقفين العرب المختلفين في التوجه الفكري وتحول مسار الحوار الهادف إلى مواقف استعداء شخصي وتأثير ذلك على مستوى تطور الثقافة والمعرفة في الوسط الاجتماعي العربي.

والتساؤل للمهتمين بالشأن الثقافي هل يوجد حوار هادف بين المثقفين العرب المختلفين في الفكر يبني ثقافة تراكمية؟

يشكل المثقفون في العالم العربي أطيافاً متعددة من التوجهات الفكرية بحسب القناعات المختلفة التي يعتقد بها كل مثقف فمنهم من يعتقد بالفكر الإسلامي وآخر بالفكر الليبرالي أو العلماني وكذلك الأمر بالنسبة لتعدد الاعتقاد بالمذاهب.

ويعد النموذج الوسطي في الاعتقاد والقناعة الفكرية الأمثل في الأطياف بأنواعها لما يتميز به من انفتاح على الآخر واعتدال في الطرح الثقافي والقابلية للتحاور مبتعداً عن الانغلاق على الذات أو الاعتقاد بأنه صاحب الفكر الصائب على الدوام.

وهذا النموذج له قبولا اجتماعي واسع ويسهل الحوار معه لموقفه العقلاني بأن هناك مساحة من الأفكار يمكن أن تصحح من خلال الحوار الموضوعي.

وفي المجتمعات المدنية المتحضرة تتزايد الحوارات الثقافية ويشغل عقل المحاور المعلومة والرأي الأمثل، وليس تسقيط الطرف المقابل والاستخفاف به والتقليل من شأنه وكأن هدف الحوار شخص المتحاور وليس الموضوع المراد النقاش حوله.

وللإمام علي مقولة مشهورة ”من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ“ وقال ”أضربوا بعض الرأي ببعض يتولد منه الصواب“

ويلاحظ على صعيد الحوار الثقافي العربي بين مثقفي الاطياف الفكرية المختلفة وجود علاقة ضعف في التواصل الثقافي وتدني مستوى الحوار الهادف بينهم وهم الشريحة التي يعد انها تحمل مخزون واسع من الثقافة وتمارس دور ناشر الوعي، وقلما نجد حوار بين هؤلاء المثقفين منتج وفي الغالب متأزم ومؤدلج بحكم وموقف عدائي مسبق!!!

وهذا ما يثير التساؤل لماذا يغيب الحوار الثقافي الصحي بين المثقفين العرب؟

فهل أسباب ذلك ضعف الوعي بالهدف الرئيسي من الحوار والذي قصد منه بناء تقارب فكري في المواضيع محل الحوار وغياب قيمة ذلك في إنتاج ثقافة واسعة وسمة حضارية للمجتمع.

والكثير من المتحاورين يتأثر بالاندفاع العاطفي في طرح الأفكار ويتحول الحوار من عرض الآراء إلى فرضها متجنبا لمنطق العقل في تقبل رأي الأخر وإثراء اللقاء بتبادل الأفكار والمعلومات.

وحينما يكون غاية المتحاور الكبرى وتركيزه منصب على تحقيق انتصار فكره على الآخر وليس تبادل الآراء والأفكار فأن ذلك يتسبب في أضعاف التواصل بين المثقفين ويؤثر بشكل مباشر في تحجيم مساحات تطور المعرفة في المجتمع العربي.

ومن المتعارف عليه في الوسط الثقافي أن احتكار الرأي بين المتحاورين ليس من أخلاقيات المثقف الواعي بل إن على من ينتسب لشريحة المثقفين أن يكون عقلاني متقبلًا للرأي الآخر مستقبلًا له، وفي ضوء ذلك نستشهد بمقولة الإمام الشافعي رحمه الله: «رأيي صَوابٌ يَحتَمِلُ الخَطأ، ورأيُ غَيري خَطأ يَحتَمِلُ الصَّوابَ».

فإذا كان طبيعة الحوار السائد بين المثقفين المختلفين في التوجه الفكري تصادمي ومحوره التنقيص والازدراء والاقصاء والاستنقاص المجحف فهذا مايحول الحوار الي عداء شخصي فهل هذا الحوار يبني ثقافة تراكمية!!!

فمن خلال استعراض مشهد الحوار المعتل بين المثقف العربي والأخر فأن إيجاد مناخ صحي للحوار بين المثقفين ضرورة ويمكن تحقيقه إذا وضع كل متحاور في ذهنه أن في دائرة السجال أما ان أتأثر بأفكارك أو تتأثر بأفكاري أو كلا يحتفظ بقناعاته ونكتسب معارف جديده تنمي الثقافة في عقولنا.

وللحوار الصحي قيمة في فتح آفاق للمعرفة وشحذ العقل على التفكير وتقليب الرأي ومراجعة القناعات العقلية وهذا مايميز المجتمع الحضاري فأن معدل السجال وتبادل المعارف الحوارية في أعلى معدلاته وذلك يدفع لتوسع انواع المعارف وانتشار الثقافة.

لذلك فليكن حوار المثقف والأخر المختلف في الفكر مشروع بناء ثقافة تراكمية وإثراء معرفه وليس إقصاء.