آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 8:59 م

الرؤية بين خلق الوظائف ووظائف الإحلال «2»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

إذن، الفرص الوظيفية الناتجة عن الإحلال ضرورية لكنها غير كافية، لاستغلال قوة العمل المواطنة المحدودة لتأخذ دورها في الوظائف القَيّمة التي تعزز إنتاجية وتنافسية الاقتصاد السعودي، كما تطمح رؤية المملكة 2030 لتحقيقه بالارتقاء بقيمة الناتج المحلي الإجمالي ليكون ضمن أكبر 15 اقتصاد بحلول العام 2030. وتجدر الإشارة إلى أن مساهمة العمالة في الناتج المحلي الإجمالي تتجاوز 50% في الدول المتقدمة اقتصادياً، فهي في حدود 58 بالمائة في اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية. وعليه، فالتمعن في قضية خلق الوظائف وكيفية الاستفادة منها للحد الأقصى أمر جدير بكل اهتمام.

ولكن ما حجم الوظائف التي ستستحدثها الرؤية؟ في دراسة حديثة أجرتها غرفة الرياض، «نشرت مقابلة بشأنها في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 14 ديسمبر 2022» بينت أن القطاع الخاص يحتاج إعداد سعوديين لوظائف المستقبل، يتمتعون بمهارات الإبداع والتحليل والابتكار، وفي القطاعات الأكثر استحداثاً للوظائف في قطاعات مرتبطة بالرؤية مثل: الصناعة، والطاقة المتجددة، والترفيه، والسياحة، والثقافة، والنقل والتخزين، وسلاسل الإمداد، وتقنية المعلومات، والاتصالات، والمرافق مثل الكهرباء والماء والغاز، والخدمات المالية، والتأمين، والتطوير العقاري، وخدمات الأعمال والتشييد والبناء، وقدرت الدراسة أن برامج التحول الاقتصادي «برامج واستراتيجيات الرؤية» ستولد 3 مليون وظيفة مستقبلية. السؤال الذي لم تتضح إجابته حتى الآن: هل الثلاثة ملايين وظيفة وظائف إحلال أم وظائف مستحدثة أم خليط؟ ثم ما النصيب المستهدف للمواطنين والمواطنات من هذه الوظائف؟ فما يمُكن قياسه لا يمكن إدارته، ثم أن منهجية تحقيق الرؤية قامت على الرصد والقياس والمتابعة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ثمة تطور نوعي في إدارة توظيف السعوديين، وهو الانتقال من الارتكاز إلى“الإحلال”إلى“التوطين”، إذ أن التوطين يشمل خلق الوظائف ووظائف الاحلال، ولتحقيق ذلك فقد تم نقل مؤخراً مهام التوطين من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إلى الجهات الإشرافية «التجارة، السياحة، النقل والخدمات اللوجستية، الصحة، الشؤون البلدية والقروية والإسكان، والصناعة والثروة المعدنية».

ولعل الأمر يتطلب التنبه إلى دور الابتكار في إيجاد مواطن ينافس عالمياً، كما يطمح برنامج تنمية الموارد البشرية. وفي المملكة ما يزيد عن 22 جهة تدعم الابتكار والإبداع، وهي تقسم إلى أربع فئات:

  1. مؤسسات تعليمية
  2. مؤسسات حكومية
  3. مؤسسات القطاع الخاص
  4. مؤسسات غير ربحية

لكن الاقتصاد السعودي إجمالاً - وسوق العمل ذات الصلة بوظائف المستقبل والتي تعتمد على الابداع والابتكار - تعاني من شح في المعروض من هذه الوظائف، ولذا نجد حتى الأنشطة البازغة في الاقتصاد المحلي تعتمد على العمالة الوافدة.

وهكذا، يمكن الجدل أن التحدي هو السعي للاستحواذ على أكبر قدر من الثلاثة مليون وظيفة التي ستولدها الرؤية لصالح الموارد البشرية المواطنة المؤهلة لشغل تلك الوظائف. ولعل أحد مساعي تحقيق ذلك هو لَمّ شمل جهود الابتكار والإبداع ضمن منظومة رأس المال البشري، وتحديداً برنامج تنمية القدرات البشرية، أخذاً بالاعتبار الاختصاص، كون البرنامج هو مظلة جامعة لمبادرات تطوير العنصر البشري المواطن. وتحديداً، بحكم أن البرنامج يسعى أن يمتلك المواطن قدرات تمكنه من المنافسة عالمياً، من خلال تعزيز القيم، وتطوير المهارات الأساسية ومهارات المستقبل، وتنمية المعارف، وتحضير الشباب لسوق العمل ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال. حتى تتضافر جهود هذه الجهات ليتمكن الاقتصاد المحلي من“الإمساك”بالوظائف التي تخلقها له الرؤية وبرامجها واستراتيجياتها، وإلا قد تفلّت، كما سبق أن أفلتت مئات الوظائف من قبل. فضلاً عن أن البرنامج يُخرّج توظيف السعوديين من إطار“الإحلال”و”التوطين”إلى امتلاك المواطن قدرات تمكنه من المنافسة محلياً وعالمياً، بما يَحدّ من تسرب الوظائف القَيّمة للخارج إلا بالقدر الذي يبرره النمو الاقتصادي.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى