آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 3:29 م

الواسطة… ولّا الكفاءة؟

عبد الواحد العلوان

رؤية 2030 أظهرت لنا العديد من الكفاءات الوطنية التي كانت مغموسة، ولم تظهر قبلها، ولأنها رؤية وطنية يدعمها قائد الرؤية سمو سيدي ولي العهد، أي أنها ستظل شامخة وتظل تعانق السحاب وتجدد في موارد الوطن من كوادر شبابية وكفاءات وطنية وعلمية وأفكار رائدة ترفع من سقف توقعاتنا كسعوديين، في قيادة الوطن ومنشآته، وتطورها ونموها ونهضة الخدمات لحال التميز والنهضة.

لا تأخذك في الفاسد لومة لائم

في حين توفر معلومة، أو ظرف، أو شبهة، في موقف يثبت بأنه فساد، فلا تكن في الحياد، وحاول مباشرة التواصل مع هيئة مكافحة الفساد عبر قنواتها الرسمية وبكل سرية، وبكل يسر، للحفاظ على وطنك من الفاسدين كيفما كانوا «مسؤول، مدير منشأة، موظف، مواطن، مقيم».

مسؤولك يهددك:

لا تسمح للمسؤول بتهديدك كموظف، بالنقل أو التقييم السيئ، أو ممارسة التنمر والظلم الوظيفي، أو محاولة جعلك تعيش مخاوف، والسبب أنك تملك خيار إيصال صوتك لجهات علياء، تضع الجميع تحت طائلة المساءلة القانونية، وفي الأخير أنت تخلق بيئة وطنية بامتياز، وتسهم في رفعة وطنك في القضاء على الفساد والفاسدين.

الواسطة أم الكفاءة؟

كثير من المجتمعات يسود في أوساطها «مفتاح الماستر كي»، مفتاح يفتح كل الأبواب بكل يسر وسهولة، ويسميه الكثيرون الواسطة، التي تكون هي بمثابة علاقة تربط مقدم الخدمة بطالب الخدمة، وفيها تسهيل أمره، ومنحه حالة استثناء وتميز قل نظيرها لغيره.

الواسطة ما حلت في وسط إلا وأصبح فاسداً، نتناً مليئاً بالروائح النتنة الكريهة، والتي تخلق حالة تمايز وتفرد، وتسيد شخصاً على آخر، فما بالك لو كانت الواسطة هذه تنبع وتعمل وتنشأ في داخل أوساط منشآت الدولة المنشآت الحكومية، والقيادة الرشيدة توعدت مرتكبيها، وسنت الأنظمة والقوانين والعقوبات بهيئة مكافحة الفساد للمتجاوزين، واعتبرت أن كل واسطة، تميز مواطن على آخر بدون كفاءة هي حالة من حالات الفساد، وكل حالة تستثني شخص على آخر، وتمنحه الاستثناء الذي يخوله «مادياً، وظيفياً، اجتماعيا، رسمياً، من تحقيق فائدة ذات مردود شخصي لنفسه أو لأسرته» عبر علاقة بمجرد وجود هذه العلاقة، هي نوع من أنواع التمكين، الذي به يتوصل هذا الشخص لبناء حلمه وطموحه ووصوله على حساب الآخرين.

هيئة مكافحة الفساد، والتي تستمد كامل قواها ودعمها من لدن سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو سيدي ولي عهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز حفظهم الله ورعاهم.

هذه الهيئة، والتي أصبح يتداول اسمها ”نزاهة“، جمعت بين هيئة الرقابة والتحقيق ومكافحة الفساد، حيث إنها تضع كافة المواطنين سواسية، وكأنهم أسنان مشط متساوين، وتضع كافة المسؤولين والمواطنين، على حد سواء، في حالة الحساب والعقاب، أي لا مجال للتهرب والهروب من المحاسبة لو وجد أي علاقة غير نزيهة، تمكن خلق بيئة فيها فساد ونضع أمثلة على ذلك:

”فساد إداري“

واسطة علاقة مدير المنشأة بأحد أقاربه، أصدقاؤه:

مدير منشأة يمكن أشخاص من ذويه للعمل تحت حسابه في هذه المنشأة، بلا كفاءة، وبرواتب ومزايا عالية جداً، وبدلات عالية جداً، وبمزايا تضعه في حالة استثناء، وفي حين البحث عن شهادات وكفاءات هؤلاء الأشخاص لا تجد ما يضعهم في خانة التميز الذي مكنتهم من هذه الوظيفة، وحرمت غيرهم منها، سواء بمقابل مالي تحصل عليه شخص المدير، أو بمقابل علاقة شخصية تربطه بالموظف.

”فساد مالي“

واسطة علاقة مدير المنشأة بأحد العملاء بمقابل مالي:

مدير منشأة، مكن شخص من الاستفادة من مناقصة حكومية عبر حصول المدير على مبلغ عالي جداً، مقابل منح هذا الشخص صاحب المؤسسة الخاصة، من الحصول على المناقصة عبر تذليل الشروط والاشتراطات التي تكون قاسية على غيره، ومرنة لحالته، والتي تجعل منه شخصاً استثنائياً في الحصول على هذه المناقصة، الباهظة الثمن.

أو تبديد مستخلصات وميزانية المنشأة، عبر إرساء مشاريع وهمية، أو مشاريع متعثرة، أو عبر الاختلاس المباشر من الميزانية.

مثالان لربما يوضحان، بأن كل ما جرى في كلتا الحالتين الماضية هي تسمى بمعنى فساد وواسطة، والفساد هو كل شيء يتداخل في وسط من الأوساط والأوطان حيث يخلق حالة عدم استقرار، وعدم وجود عدالة وإنصاف تمكن الكفاءات الوطنية من تأدية عملها بكل يسر وسهولة، وأمانة، وتجعل من تلك الأوساط بيئة نتنة غير محفزة، وغير نشطة، والتي فيها يتهرب الجميع من واجباته، ويبحث فيها عن مصادر مالية أو إدارية غير طبيعية، في طبيعة الحال، تمكنه من بناء ثروة أو سلطة أو علاقة.

طبيعة عمل هيئة مكافحة الفساد:

ترسيخ منظومة النزاهة الوطنية وإنفاذ القانون والوقاية من الفساد والحد من آثاره على المستوى الوطني وفق الممارسات العالمية الفُضلى بما يؤسس لبيئة وطنية مناهضة للفساد.

دعم ملكي وإرادة ملكية للقضاء على الفساد:

دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود هيئة مكافحة الفساد بقرار ومرسوم ملكي في العام 2017، ومرجعية هذه الهيئة هي الملك المفدى ونائبه، ويرأس هذه الهيئة سمو سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظهم الله ورعاه.

لجنة مكافحة الفساد السعودية هي لجنة عليا سعودية برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود تأسست في 4 نوفمبر 2017، وَتقوم اللجنة بحصر المخالفات والجرائم والكيانات المتعلقة بقضايا الفساد المالي والإداري في السعودية، بالإضافة إلى إصدار أوامر منع السفر والقبض ولها الحق في اتخاذ الإجراءات الاحترازية حتى تحال للجهات القضائية،

وحيث مكن هذه الهيئة من عملها من أعلى الهرم حتى أسفله، وأرسى العدالة والإنصاف بين المواطنين والمقيمين، ومكن القوانين والأنظمة والتشريعات من العمل لخدمة الوطن والمواطن والمقيم والزائر والسائح، والجميع تحت مظلة الوطن، ولا يوجد استثناء لأحد من المساءلة القانونية، والتحقيق في حين تم اكتشاف أي شبهة فساد، لمدير أو وزير أو أمير أو مسؤول.

”فساد إداري ومالي“

إهمال وإخلال في الحفاظ على المنشآت الحكومية:

وحيث إن الإخلال كذلك في خدمات المنشآت الحكومية، والأضرار بالبنى التحتية في المنشآت الحكومية يعد نوعاً من أنواع الفساد، فلا ضير أن يوصل الموظف في تلك المنشأة صوته عبر القنوات الرسمية في ”نزاهة“ لإثبات حالات الأضرار وشبهات الفساد، التي تضر بالمنشأة وخدماتها، وتجعل المنشأة الحكومية هرمة، وفي حالة انهيار وتعثر عن تقديم خدماتها للجمهور المواطنين والمقيمين.

نستشهد على ذلك:

منشأة حكومية تقدم خدماتها للمواطنين «المستشفيات التي فيها تنويم، وأجنحة تنويم» على وجه الخصوص، تقدم خدمات إنسانية للمواطن والمقيم، وهي خدمة تقدمها الحكومة لمواطنيها، ولو كانت المنشأة جديدة وحديثة العهد في مبانيها، تعاني من أضرار في بنيتها التحتية، ومن تلك الأضرار، لا يوجد بها خدمات فعلية، على الرغم من وجود شركات تشغيل وصيانة، بملايين الريالات، وهذه الشركات وظيفتها تقويم الأضرار التي تنشأ عبر الاستخدام والاستهلاك اليومي العادي وغير العادي، لتصبح المنشأة قادرة على مواصلة سيرها في تقديم الخدمات.

وجوه الفساد:

وجه الفساد الذي قد ينشأ في هذه المنشأة، هو أن متلقي الخدمة المواطن أو المقيم لا يحصل خدمة حقيقية على سرير تنويم في هذا المستشفى، لا يوجد بها خدمات فعلية حقيقية، على الرغم من تكلفة الدولة المادية التي دفعتها لأجل هذه المشاريع ومنها «إنارة، تكييف، أرضيات، أسرة تنويم، مفارش، مراتب، ملابس للمرضى، أبواب مهشمة ومكسرة، نوافذ محطمة، أسقف منهارة على رؤوس المرضى، موظفين، عدم وجود ملابس مرضى».

مبانٍ وأقسام غير مستقلة، على الرغم من أنه مضى على بنائها سنوات بسيطة وما زالت المنشأة حديثة، وهي في إعداد الاستهلاك وغير مستهلكة، وهي في إعداد تقديم الخدمة ولا يوجد بها خدمات حقيقية تلامس رضاء المستفيد، هذه تعد نوعاً من أنواع الفساد، والموظف شريك استراتيجي وطني في إيصال صوته لمسؤول ومدير المنشأة، ليشرح عن تردي الخدمات، ولماذا لا يتم تقويمها، وما هي الأسباب التي واجهتها إدارة المنشأة، ومنعتها من استكمال الخدمات، أو بدأ الخدمة بها، وإن لم يصل صوته فليتواصل مباشرة مع نزاهة هيئة مكافحة الفساد للتحقق من وضعية المنشأة ومحاولة توضيح أنه تم التواصل مع مدير ومسؤول المنشأة، ولم يتم تلقي رد توضيحي على استفساراته، ولماذا هذه المنشأة تقبع في الوحل، بالرغم من كونها منشأة خدمية بالدرجة الأولى تقدم خدمات إنسانية، كلفت الدولة مئات الملايين، ومن المشاريع الرائدة التي يفترض أن تكون تعمل بكامل طاقتها، وهي اليوم لا تعمل بل تقدم خدمات سيئة جداً، ولا تناسب الإنسان، ومسؤوليها على علم أن هذه الخدمات سيئة، ولا يوجد محاولة لتقويم كل هذه الخدمات لتصبح ذات نفع وفائدة للوطن والمواطن، وفضلوا أن يكونوا في حالة صمت وتجاهل، حتى وصلت حالات تردي الخدمات لما هي عليه اليوم من سيئ لأسوأ.

الكفاءات الوطنية:

في الغالب مجتمعنا السعودي مجتمع متعلم ومثقف وذو كفاءة، وعلى الرغم من وجود أشخاص لا يمتلكون كفاءات تعليمية عالية، ولكنهم أصبحوا اليوم في 2023 فئة قليلة جداً، مع أن الغالبية من المواطنين التي تجمع بين الكفاءة والخبرة الوطنية، والتي تمكن حامل هذه الكفاءات من وضع اسمه وبصمته على الخارطة الوطنية، ولدينا الكثير من الشخصيات القيادية، والتي هي اليوم في قوائم البناء والتطوير في عدد كبير من الوزارات والمنشآت الحكومية، ومن القيادات الشابة من جيل الشباب والشابات، التي مكنتهم جهودهم وعلومهم وكفاءاتهم وخبراتهم من الحصول على موقع متميز يخدمون فيه وطنهم، ومن المعلوم أن مثل هذه الكفاءات متواجدة في غالب مدننا ومناطقنا، ولكنها تحارب حرب ضروس، من عدد من المسؤولين المتنفذين، والذين ما زالوا يقبعون في أحلام وسراب الواسطات والفساد الإداري، والذين يتوقعون بأنهم ما زالوا يمارسون طقوسهم بعيداً عن المساءلة القانونية، وأن أحزابهم وتحزباتهم العنصرية، تمكنهم من بناء بيئة صلبة لممارسة الفساد بلا حساب، ولذلك الكفاءات الوطنية بعضها ندرة، وتحتاج إلى البحث عنها من بين الركام، لأن مثل هذه الممارسات الفاسدة لا شك بأنها حرب كارثية، تُهجر الكثير من الكفاءات لخارج الوطن، ولكن مع وجود كل هذه التنظيمات والتشريعات العادلة التي تقدمها الدولة تحت مظلة هيئة مكافحة الفساد، فإن الحرب سوف تسفر عن فوز الكفاءات ولو بعد حين، وانتشال الفاسدين وإيداعهم السجون، للتخلص منهم، عبر الحساب والعقاب والتحقيق حول الشبهات المرصودة.

”مبادرة وطنية“

مبادرة وطنية لتقييم منشآت الدولة من قبل الموظف:

لماذا لا تصبح لدينا مبادرة وطنية، لتقييم المنشأة والخدمة، من قبل الموظفين، لمن لا يستطيعون إيصال صوتهم، ولمن يتملكهم الخوف والرغبة في نفس الوقت، وما يملكون من إثباتات ودلائل على تردي الخدمات في المنشأة التي يعملون بها، أو خدمات متميزة وتستحق المفاخرة، والإعلان عنها وطنياً كمستحق للمنشأة، ويكرم قائدها، ويحاسب قائدها على قصوره في تأدية واجباته اتجاه تلك الخدمات القاصرة.؟

وللعلم المناصب الإدارية تكليف وليست تشريفاً، وعليها يتم قياس العمل الإداري وتقييمه.

عزيزي القاري، هل واجهت أحد وجوه الفساد في منشأتك؟ وهل تواصلت مع نزاهة، وأبلغت عن قصور الخدمات في تلك المنشأة.