آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

قراصنة في عالم الأدب والحياة

ليلى الزاهر *

يستدعي أمر معاشرة النّاس وزن الكلمة قبل أن تخرج من فم صاحبها، إذ يصل البعض إلى مرحلة نستطيع القول بأن باب المديح أُقْفِل لديهم، فلا يستطيعون المغامرة في ولوج أبوابه.

استعادت ذاكرتي قصّة ذلك الرجل الذي استضاف أصدقاءه على مأدبة عشاء احتفالا بمسكنه العائلي الجديد، وبعد إعصارات مُضنية من التّعب الجسديّ، والنّفسيّ يقف أحد القراصنة متشدّقًا بملء فمه:

لديك عشوائية في وضع هذ الأعمدة الخرسانية دون مبرر فكانت النتيجة حالة جمالية سيئة، وتكاليف مالية باهظة لا جدوى منها.

وقد كان له أن يقدّم التهنئة دون كلام جارح، خاصة وأن بناء مسكن العمر يُعدّ إنجازًا عظيما عند أغلب الناس.

الدين معامله أو مُجاملة تسعد بها قلوب الآخرين لذلك كانت الابتسامة صدقة ونزول الضيف بَرَكة بالمنزل يُذهب سيئات أهله. كما أنّ أول ما يُوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة هو حسن الخلق، وأكثر ما أثنى الله على نبينا في القرآن هو خُلقه الكريم فلم يكن ﷺ فظًا غليظ القلب، وإنما وسعت أخلاقه جميعَ الناسِ.

أما قراءة النّص الأدبيّ ومقاربته فقد يكون فيها رأي الناقد جواز مرور للأفضل، فالنّقد البنّاء قوةٌ كبرى، وتبصيرٌ بخفايا لانراها، وقد يكشف النّاقد مواطن الخطأ ثمّ يكتب وصفةً حكيمةً يُقدّم فيها المدح أولًا ويُؤخّر الذّم، مراعيا في ذلك جنس صانع العمل الأدبي. فالرجل أكثر تقبّلًا للنقد أما المرأة فبحكم مشاعرها وعاطفتها قد تصل متأخرة لمغزى النقد الحقيقي.

هذا وقد يؤثر النقد سلبًا على المُتلقي إذا وجد صعوبة في فهمه، وقد يصل به للتباطؤ في إظهار نِتاجه الأدبي القادم فيقف كلام الناقد حَجَرَ عَثْرَةٍ في طريقه، لذلك يصف واشنطن إيرفنج النقاد بقطّاع الطرق أو قراصنة في جمهوريات الأدب ويشبههم بالغزلان التي تعيش على التهام براعم وأوراق الشجيرات الصغيرة في الغابة فتسلبها خضرتها وتؤخر نضوجها.

وعموم القول أن ثناء الإنسان على أخيه غِبْطَة أبديّة وسرور يظل عالقًا بالذاكرة يستشهد بها الممدوح وقت حاجته فكان لزامًا على الناقد أن يستعرض مكامن القوة أولًا تمهيدًا لإظهار مواطن الضعف.

ومن المفارقات الغريبة في هذا الموضوع أن هناك فئة من الناس هم أهل للمديح والثناء إلّا أنّهم ينبذونه فنراهم يرددون عند مديح الناس لهم:

”اللهم لا تُؤاخذني بما يقولون“

فأنا لم أصلْ لمرتبة ذلك الثناء، ولا أبلغ مبلغه، فاجعلني اللهم من عبادك المتواضعين، وأبعد عنا واقع المتكبرين الذين ينتفخون بالمديح، ويعشقون طرقه.