آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 12:27 ص

إذا أردت ألا ينساك الناس

المهندس أمير الصالح *

غرد أحدهم بقوله: أود أن أتأكد بأن أغلب الناس لن ينسوني حتى بعد رحيلي، أرشدوني!

فعلق لهم أحدهم: ألف كتاب نافع وانشره.

فرد صاحب التغريدة: لكن الأغلب من الناس لا يقرأون كتباً وإن قرأ بعضهم فهم القلة.

وعلق شخص آخر: اكتب دبوان شعر وانشره.

فرد صاحب التغريدة: لكن الأغلب من الناس لا يحبون الشعر الجاد فالأغلب يحب الهشك بشك.

وقال شخص ثالث: اخترع اختراع وسجل براءة اختراعك.

فرد صاحب التغريدة: هذا توفيق كبير من الله أن يصبح الإنسان مخترعاً أو صاحب اختراعات تنفع البشرية. لكن قليلاً من الناس في محيطنا يُحفز لأن يكون مخترعاً. وأن أصبح صاحب براءة الاختراع، فإن أبناء جلدته يذكرونه فقط لتباهي في مجالي المفاخرة. وأما هو فإنهم ينفرون من مجالسته على اعتبار أنه جاد جدا.

وقال شخص رابع: طبق شعار ”خالف تُعرف“.

فرد صاحب التغريدة: لكن الأغلب من الناس أضحت تعرف هذا الأسلوب والأغلب أضحى مستهلكاً من كثرة التشرذمات.

وقال شخص خامس: من يحبك حبا صادقا سيذكرك ويجدد عهداً بك حتى بعد رحيلك. ومن لا يحبك لن يتذكر وسيخلق الأعذار ليخنق مناقبك ويطفئ ذكرك. ولنا في التاريخ عِبر.

فرد صاحب التغريدة: كلامك صحيح بس هذا يعني أني محصور في إطار ذاكرة أفراد محددين وهم المحبون.

وقال شخص سادس: تصادم وعاند وشاكس وواقح ولا تقبل أي بديهية وافرض نفسك بكل وسيلة.

فرد صاحب التغريدة: هذا مفيد كموجة و”ترند“ في فترة زمنية معينة للمراهقين جسديا أو فكريا، وبعد فترة ينفر الناس من ذلك ويركبون ”ترند“ آخر.

وقال شخص سابع: داوم على حضور مجالس الناس، وجاملهم حتى على أعمال الباطل، والتقط صوراً على الطالعة والنازلة مع كل شخص.

فرد صاحب التغريدة: لكن الأغلب من الناس أوقاتهم محصورة وسقف المجاملات فيه مزايدات والأكثر مجاملة يحظى بالقرب الأكبر.

وقال شخص ثامن: من وجّب الناس، وجّبوه.

فرد صاحب التغريدة: مع كثرة المناسبات، وتشتت الأماكن أضحى نشاط الزيارات وأداء الواجبات الاجتماعية على الأغلب من الناس أمر مُجهد جدا.

وقال شخص تاسع: كبر صحنك وطري يدك بكرمك سترى الناس يتقاطرون من حولك فالمال المبذول بسخاء يجعل عدداً كبيراً من الناس تزعم صلة رحم بك.

فرد صاحب التغريدة: لا يستطيع أن يطعم كل البشر إلا خالق البشر. وهذا العمل يحتاج ميزانيات كبيرة.

وقال شخص مجاور له: عليك بالأخلاق وجميل الصنيع وذرابة السلوك وحسن الجوار ولطيف الكلام وصدق التعامل.

فرد صاحب التغريدة: هذه عملات نادرة في زمن طغى فيه سوء الظن وحب المال وأكل الحقوق وانتحال الذمم وتعدد الأقنعة.

وقال آخرهم: إذا أردت ألا ينساك الناس، تسلف من عندهم المال!!

فرد: ممممم مممم هذه فكرة شيطانية!

الواقع: أن حب المال حد الجنون لدى البعض كما حب البروز والوجاهة والزعامة حد التسافل / الغدر / الوشاية أدى إلى تسوس الثقة وإضاعة الأمانة من قبل البعض. وتكاثر أعداد الانتهازيين والمتسلقين وتغييب القدوة الصالحة أدى إلى انتشار شعور الارتياب داخل ذات الوسط الاجتماعي. واقع الحال الملموس جعل عدداً كبيراً من الناس يشعرون بأن هناك من يستعين بأساليب متعددة بما فيها الأساليب السيئة، ومنها خيانة الأمانة وجحود حقوق الآخرين والنصب لبلوغ أحلامهم في الثراء السريع والزعامة المختلقة. وأصبح لسان حال سلوك البعض السيئ المتلون مطابق من ينشد كلاماً مبهماً وخليط من الشعر والأمثلة والغناء والدين بشكل مشوه لبلوغ مرامه كقول بعضهم:

الوقت كالسيف، إن لم تكن ذئبا، كما تشتهي السفن!!!

الأخلاق النابعة من رؤية متكاملة للوجود عبر الاعتقاد السليم والتشريع المنضبط يجعل الإنسان السوي مذكوراً بين أبناء مجتمعه وإن قل ماله، وانحسر نصيبه من الدنيا. الأخلاق هو العملة المتآكلة والآخذة في الاندثار مع فوضى التسابق على السيطرة في أرجاء الأرض. والأمل معقود بعد الله عز وًجل على الأوفياء من أهل الأخلاق الحميدة من المفكرين ورجالات الدين ورواد التربية والتجار الصادقين لخلق مجتمع طيب كما كان في عهد الأجداد والآباء.