آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 2:29 م

الانفتاح الثقافي وقصور في تطور الكتابة

محمد الحرز * صحيفة اليوم

أجد صعوبة للركون أو الاطمئنان إل ى معيار محدد أقيس من خلاله التغيرات وآثارها التي طرأت على المجتمع السعودي وتحولات ثقافته من الانغلاق إلى الانفتاح منذ الشروع في رؤية المملكة عام 2016، وما أعنيه بالمعيار المحدد هو القول بأسبقية عامل كالاقتصاد - على سبيل المثال - على آخر كالسياسة في تفسير أو تعليل تلك المتغيرات، أو القول بعامل وحيد وما عداه لا تأثير له، كالانفتاح الثقافي والاجتماعي الذي واكب رؤية المملكة على راهن وحاضر الحياة المعاصرة التي تعيشها أغلب شعوب العالم.

وما يعقد الصعوبة أكثر هو أن النهضة الشاملة التي يعيشها المجتمع السعودي حاليا لم ترتبط بجانب معين من الحياة دون غيرها من الجوانب الأخرى، كالقول أن التطور الثقافي للمجتمع هو الذي يمثّل هذه النهضة وهو وجهها اللامع وقوتها الناعمة فقط، إنما هناك مسارات متعددة شملها التطور، لا يقل عن التطور والحراك الثقافي، كالمجال الرياضي الذي قفز قفزات متسارعة جعل من الرياضة السعودية محل انتباه العالم ومحط أنظاره.

ناهيك عن المشاريع الاقتصادية الضخمة التي تطال البنية التحتية من تعليم وصحة وترفيه وبناء مدن، وما يواكبها من توجهات سياسية بوصلتها الانفتاح على العالم وفق المصالح الكبرى للبلد.

والأهم أن كل ذلك يجري ضمن إعادة هيكلة مؤسسات الدولة بما يوافق نظام الرقمنة والحوكمة، أي ترسيخ الحكومة الإلكترونية التي أصبحت فيها السعودية مضرب مثل لبقية الدول، وهي من أوائل الدول التي تتربع على عرش هذا النظام، يتزامن هذا الترسيخ مع تفعيل نظام المحاسبة من خلال وضع القوانين وتطبيقها، لذلك حين يتوقف نظرك على تلك المسارات في أبعادها المادية كما رأينا وكما هو واضح للعيان، لا تجد صعوبة في القول بكل اطمئنان أن ما يعيشه المجتمع السعودي هو نهضة شاملة، ولا يحتاج المرء إلى جهد في التفكير؛ ليصل إلى هذه النتيجة.

لكن ماذا عن المسارات غير المادية التي ترتبط بهذه النهضة كأنظمة التفكير على مستوى الفرد والجماعة أو أنظمة الكتابة التي تعبّر من العمق عن روح التغير الحاصل سواء على مستوى المجال الإبداعي أو الثقافي الفكري أو الاجتماعي التاريخي؟ هذا سؤال مشروع ومهم، لكنه في نفس الوقت لا يتاح الكشف عنه، أو الإجابة عنه إلا بصورة مرحلية أو جزئية، لأن المرحلة التي نعيشها الآن هي مرحلة عبور وليست مرحلة استقرار، ولأن - أيضا - مقاربة هذه المسارات تتطلب مراقبة وإحصاء وتتبعا وتطبيقا لمختلف مناهج العلوم الإنسانية الأكثر تطورا» وأضع خطين تحت الأكثر تطورا «حتى لا نقع في فخ تبني النتائج ذاتها التي تم استخلاصها من دراس ة المجتمعات الغربية لحظة نهوضها نحو الحداثة والتحديث.

لكن من خلال التفكير في مثل هذا السؤال يمكنني إبداء ملاحظات أولية حول أنظمة الكتابة الإبداعية بحكم قربي من المشهد ومتابعتي اللصيقة للمنجز المتنوع والكبير الذي أراه متراكما بسرعة فائقة.

أولى هذه الملاحظات وأهمها كما أرى التداخل المخل بفكرة الأبداع عند الكثير من» ممارسي الإبداع «وأضعها بين مزدوجين حتى أتجنب كتابة» المبدعين «بين الكتابة - من جهة - بوصفها هوية اجتماعية وتاريخية وسياسية، وبين الكتابة - من جهة أخرى - بوصفها بحثا مستمرا عن قاموسها اللغوي المعبّر عن روح المتغير الحاصل سواء على مستوى الفرد أو الجماعة.

وأكثر ما يتضح ذلك في خطابنا الشعري، وأركز على الخطاب الشعري، لأنه يحمل رسائل تتجاوز في مهمتها وظيفة الشعر نفسه. أي أن الشعر لا يجدد نفسه على مستوى الخ ط اب لأن هذا الأخير يصنع من الفرد الممارس للإبداع مجرد رسائل لا تخدم سوى الخطاب نفسه: كثرة المسابقات والجوائز والأمسيات والمناسبات وكتّاب الشعر دليل على هذا التداخل المخل.