آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 5:05 م

الصادق الأمين

رضي منصور العسيف *

من عادتي عندما أركب سيارة الأجرة أن أتحدث مع السائق، أسأله عن اسمه، وعن مدة إقامته هنا في البلد إن كان أجنبيا...

كنت في المدينة المنورة وكنت مضطرا لأركب سيارة الأجرة.. سألت السائق عن سعر المشوار، فأجابني السعر 20 ريالاً، ومع معرفتي المسبقة أن السعر الحقيقي هو 15 ريالاً فقط، ولكن حرارة الشمس لم تدع لي مجالا للمجادلة على 5 ريالات...

سألته عن اسمه فقال: اسمي أمين...

قلت: اسم جميل وهو إحدى صفات الأنبياء، فهي صفة النبي يوسف يقول تعالى: ﴿قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ [يوسف: آية 54]، وكذلك هي صفة النبي محمد ﷺ ولا شك أنك صادق أيضاً لتكون متأسياً ومقتدياً بالرسول «الصادق الأمين».

علينا في هذه المناسبة أن نستذكر المواقف الخالدة من سيرة الرسول ﷺ التي تجلت فيها «الصدق والأمانة»:

النبي مشاركاً في بناء الكعبة

عندما تتصف بصفات وفضائل ومكارم الأخلاق، فإنك حتماً ستكون الشخصية التي يلجأ إليها الناس في المواقف الحرجة، ومن يتحلى بصفة الأمانة، فإنه سيكون موضع حفظ الأمانة والأسرار، سيكون «أمين السر».

لقد حدثنا التاريخ في قصة مطولة عن حادثة بناء الكعبة، وحيرة قريش فيمن يضع الحجر الأسود في موضعه، واتفقوا أن يضعه أول من يدخل عليهم المسجد، فكان أول داخل رسول الله ﷺ، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين رضينا، هذا محمد، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر.

قال ﷺ: ”هلَمُّ إليَّ ثوباً“، فأتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده، ثم قال: ”لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعاً“، ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ﷺ سلم ثم بنى عليه.

الصادق في مواعيده

يقول المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله «رحمه الله»: وأما مسألة صدق الحديث، فهي من المسائل التي تؤسّس لحالة من الاستقرار الفكري والسياسي والاجتماعي بين الناس، لأنّ الإنسان إذا صدق في حديثه في كل ما يخبر به، سواء كان حديثه يتعلق بالجانب الديني أو بالجوانب الأخرى من الحياة، اطمأن الناس له، واعتبروا ما حدّثهم به هو الحقيقة. وقد حدثنا الله عن الصدق في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر: آية 33].

وفي سيرة الرسول الأكرم ﷺ نجد التجليات العظيمة منها ما ورد عن الإمام الصادق : إن رسول الله ﷺ واعد رجلا إلى الصخرة فقال: أنا لك هاهنا حتى تأتي، قال: فاشتدت الشمس عليه، فقال له أصحابه: يا رسول الله لو أنك تحولت إلى الظل، قال: وعدته هاهنا وإن لم يجئ كان منه المحشر [1] .

وعلينا أن نعي أن الصادق يكون: صادقاً بالقول والفعل وحتى بالمشاعر، ولذلك فإن من يتحلى بهذه الصفة تجده مطمئناً بكل ما يفعل ويقول.

الصدق والأمانة ميزان

إذا أردت أن تعرف حقيقة شخص ما فعليك أن تختبره بهذه الصفتين، كما ورد عن رسول الله ﷺ: "لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة [2] .

لذلك عليك أن تركز هذه الصفتين في ذاتك، يقول رسول الله ﷺ: إن أشد الناس تصديقا للناس أصدقهم حديثا، وإن أشد الناس تكذيبا أكذبهم حديثا. [3] 

ومن تحلى بهذه الصفة فإنه حقاً سيكون من أهل الجنة كما ورد عن رسول الله ﷺ: ”من صدق نجا“ و" عليكم بالصدق، فإنه باب من أبواب الجنة [4] .

أخيراً لتكن حياتنا حياة الصادقين، ملتزمين بالصدق في كل موقف، يقول تعالى:

﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا [الإسراء: آية 80].


[1]  ميزان الحكمة ج 4، ص 3573

[2]  ميزان الحكمة ج 2 ص 1574

[3]  ميزان الحكمة ج 2 ص 1573

[4]  ميزان الحكمة ج 2، ص 1572
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف