آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

الحزنُ بالحزنِ يُذكر

ليلى الزاهر *

الحزن هو ردة الفعل الطبيعية التي تعتري حواس الإنسان بسبب موقف معين؛ فيتكوّن من خلالها شعور لايتجاوز الحدث الراهن ثم تُطْوى صفحته، وتظلّ له بعض الآثار والندوب التي يصعُب محْوها.

إلّا أنّ بعض المواقف المُحزِنة تظل تداعب الخيال ولاتنفكّ تطارد الإنسان مهما حاول الهروب منها، وإذا استسلم الإنسان لها وقع في حبائل الشيطان وأدخل السعادة عليه فقد ورد في الأثر:

”لا شيء أحبّ إلى الشيطان من حزن المؤمن“

وإذا بحثنا عن سيرة الحزن وأثره المُدمّر في تراث الأمم والشعوب سوف نرى تشابه المقاييس بتنوّع الاتجاهات الفكريّة للشعوب المختلفة، فقد ورد في الأمثال البولندية ماينصّ على:

«إنّ القلب المملوء حزنا، كالكأس الطافحة، يصعب حمله»

أما الإنجليز فيعتبرون الحزن مثل المرض إذ يقولون أنّه بالنسبة للبعض هو داء هيّن وبالنسبة للبعض الآخر هو داء مُضنٍ

أما الشعب الصينيّ فإنّ منثوراته دعت إلى نبذ الحزن بشتّى الوسائل فقد ورد في التراث الصيني ما يُلهم لكسر جميع قيود الحزن قولهم:

«إنّك لا تستطيع أن تمنعَ طيور الحزنِ من أن تُحلّق فوق رأسك، ولكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعيش في شعرك» غير أنّ البعض قد يصنع لنفسه ألف مُبرر للحزن، ويظل نادبًا حظّه ليقف عند مفترق الطرق مُبصِرا طريق الفرح فيبتعد عنه ويفضل طريق الحزن لأنه يجهل قيمة مايمتلك من مقوّمات الفرح والسرور في حياته.

نحنُ لانُنكر أنّ بعض الذكريات لاتقوى أجهزة الدّماغ على محْوها، ويظلّ الجانب المظلم من ذاكرتنا يبعث إشارات تُحفّز ظهورها أمامنا في كلّ مناسبة شبيهة لها فالحزن بالحزن يُذكر؛ إلّا أنّنا نظلّ في حربٍ شعواء مع أحزاننا حتى نهزمها؛ لأنّنا نعلم أنّ سنة للمؤمن إذا أحزنه أمرٌ فزع إلى الصلاة والدعاء، وذكر الله في كلّ حال، ومن التّهليلات المُجرّبة لإذابة الأحزان «تهليل العرش» فقد ورد أنّه يزيل الهموم ويرفع الأحزان وهو:

«لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض، ورب العرش العظيم»

أما سيرة الرسول الكريم ﷺ إذا أحزنه أمرٌ فزع للصلاة.

والمتأمل في هدي القرآن الكريم يرى انتفاء الحزن في حياة المؤمن بوجود العمل الصالح والاستقامة على جادة الحق، وإنفاق المال في وجوه الخير.

يقول الحق تعالى في كتابه الكريم:

﴿إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ «سورة الأحقاف: 13»

ويقول أيضًا:

﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ «سورة البقرة: 262»

وقد يقْبر الحزنُ الإنسانَ لتعرضه لكثير من الصّدمات فيتحوّل إلى جثّة هامدة تصارع البقاء ويزحف به نحو الحُفر المظلمة، فيغادر هذهِ الحياة في وقتٍ مبكر يسبق موعد رحيله. ربّما كان التّاريخُ مُتهما خطيرًا، أحداثه مؤلمة للأبرياء وخاصّة الأطفال، وفيه يُتوّج الأوغادُ بغباء، فتتصدر أحداثه بموت الشرفاء. وتبقى منصةُ الأخيارِ ضعيفةُ الصوتِ حتى تُبحر سفينةُ نوحٍ بجميع الأخيار والصالحين وتستوي عند باب السّماء.

سلامًا على الكرام من أهل غزّة الذين يُدفنون تحت التّرابِ فتزدادُ قداسةُ الأرض بهم، شهداء عند ربهم يرزقون.

ويبقى السواد الأعظم منهم حزينا، يناجي ربّه، دار عليه الزمان بصنوف المِحن والأحزان، إنّهم يرتقبون عيد انتصارهم وعودتهم مُجددا للحياة.

يقول الإمام الشافعي:

مِحَنُ الزَمانِ كَثيرَةٌ لا تَنقَضي

وَسُرورُهُ يَأتيكَ كالأَعيادِ

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أبو باقر
[ القطيف ]: 1 / 11 / 2023م - 2:23 ص
طاب مَنطِقُك وسلامٌ عليكِ و رحمةٌ وبركات