آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 10:56 ص

تمدد الكتابة الروائية وفكرة الاستسهال

محمد الحرز * صحيفة اليوم

- ثمة فرق في نظري بين ظاهرة تمدد الكتابة الروائية في مشهدنا الثقافي السعودي وبين تلقي هذه الظاهرة عند الكثير من النقاد المتخصصين وغير المتخصصين.

عند تأمل هذه الظاهرة بمعزل عن سياق التلقي لها، وبمعزل أيضا عن القيمة الفنية التي يمكن أن يضيفها مثل هذا التمدد على المشهد الروائي من عدمه، ينبغي أن يطرح مسبقا عن الأسباب التي أدت إلى مثل هذا التمدد قبل الإجابة عن الانعكاسات التي صاحبتها وأدت إلى ما أدت إليه من استسهال في الكتابة الروائية من جانب ومحاباة ومجاملة في تلقي هذه الكتابة من جانب آخر، من طرف بعض النقاد كما يشير سؤالكم.

- دائما بالنسبة لي رؤية المملكة 2030 محورية ومفصلية في تحليل الظواهر الثقافية التي تتسارع إيقاعها بشكل ملحوظ، خصوصا ما يرتبط منها بالجوانب الاجتماعية والثقافية والفكرية والأدبية، وحين نسلط الضوء على جانب الكتابة الروائية تحديدا نرى أن الكتابة الروائية ما قبل الرؤية كانت في بعض جوانبها المضمونية تنطلق من تصوراتها عن الذات باعتبارها ذاتا تحاول التمرد على السائد، أو ذاتا تحاول التعبير عن نفسها على درجة من الحياء والخجل. وبرزت أعمال ضمن هذا الإطار خلاصة ما تكتبه لا يتجاوز البوح عن ذوات مأزومة لا تعالجها الرواية بقدر ما تعالجها العيادات النفسية. ربما هذا الكلام لا ينسحب على مجمل الأعمال التي بدأت تتراكم نوعيا بشكل ملفت للأنظار منذ الألفية الثالثة. لكن ما يجعلني أربطها برؤية المملكة 2030 هو ما جرى لا حقا بسبب الظروف التي هيأتها الرؤية من انفتاح على العالم وعلى الحياة المعاصرة بمنهجية وتصور كان المبدع السعودي في جميع الحقول والمجالات هو المفتاح السحري لهذه المنهجية.

- من هذه النقطة تحديدا يمكن النظر إلى أن استسهال الكتابة الروائية ومن ثم تأويلها باعتبارها محاولة لتصريف مثل هذا الانفتاح من خلال الكتابة الروائية. ولأضرب مثالا على ذلك: الأثر السينمائي على السرد الروائي لم يكن حاضرا بقوة قبل رؤية 2030 لكن بعدها لو اطلعت على أقل القليل، وخصوصا من الأصوات الروائية النسائية، ولأقل الشابة اللاتي أعمارهن لا يتجاوزن العشرين، والتي صادف أن أطلعت على بعض أعمالهم في أغلبها لم تنشر بعد، فأنك ستصادف مخيلة سينمائية مؤثرة بشكل واضح على طريقة السرد والشخصيات والفكرة بشكل عام.

هذا ينبغي دراسته قبل أن نصدر أحكاما تختزل في عملية الاستسهال أو عملية التلقي باعتبارها مجاملة أو محاباة.

لذلك أرى أن فكرة الاستسهال لا ينبغي النظر إليها على أنها فكرة سلبية حين يتم ربطها بالرواية أو بأي شكل إبداعي آخر، لأن ما نراه استسهالا هو منطلق من نظرة معيارية إلى مكانة الرواية وأهميتها في الثقافة العالمية المعاصرة، وهي نظرة تضع في اعتبارها أن كل مَنْ يكتب الرواية في مشهدنا السعودي يقاس على هذه الأهمية وهذه المكانة. والأمر في تصوري ليس على هذا النحو، إذا ما أدركنا أن تصوراتنا عن الكتابة في شكلها الأكثر نزوعا إلى الارتباط بالحياة الحديثة لا زالت تحبو ولا زالت تتلمس طريقها، وهذا يعني فيما يعنيه قلة الروافد التي تصب في تجربة الكتابة التي نراها ظاهرة للعيان في التجارب الكتابية الإبداعية العالمية من قبيل الموسيقى والسينما وتحويل التاريخ إلى متاحف فنية وعمارة تستجيب لتطور الحياة إلى آخره من التحولات العالمية التي تؤثر على شكل الحياة على الأرض.

- هذه روافد ترسخت في الكتابة الحديثة عند الكثير من الكتاب العالميين لأن ثمة تراكم يتناغم وتلك الروافد. وهذا ما لا ينبغي القياس عليه لأن تصوراتنا عن الكتابة - كما قلت - لا زالت خاضعة بالدرجة الأولى لقلة الروافد تلك.