آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 8:50 م

الكفاءة والدنصرة

إبراهيم الرمضان *

في صباح يوم مشرق... ماذا؟ هل قلت مشرق؟ يا عيااااااااااال قوموا تأخرتوا عن المدرسة!!! فتقوم المعركة بالمنزل، وما إن انجلى الغبار حتى أصبح المنزل فارغاً من البشر، العيال ذهبوا إلى المدرسة، والأب انطلق بسيارته مسرعاً إلى عمله، والأم ذهبت مغاضبةً إلى بيت أهلها وهي تقول: طلقني مليت من هالحياة.

بعد أن انتهى الأب من معركة المنزل، انتقل بعده إلى حرب الشوارع حيث البقاء للأقوى لأن جميع السائقين يعتقدون بأن الشارع شارع أبيهم توارثوه جيلاً بعد جيل ويطالبون بتوسيع الملعب لهم!!!! إن حفاظ السائق على برود أعصابه وسط الازدحام وتسقيط السيارات على وجوه بعضهم، يتطلب معه دماً بارداً مثل رجل يأكل سندويتش كبد الجزور نصف مطبوخ محشو بزبدة الشوكولاتة بالبندق مع قطع من الزنجبيل النيئة مليء بشطة أبو ديك، ليكون هذا أفضل تفسير للشخص الذي يقولون عنه «وش فيك؟! ما فيك كبد؟!» لعله بذلك سيتم زراعة كبد جديد في أحشائه دون جراحة ولا مناظير؛ ليصل صاحبنا في النهاية إلى مقر عمله قبل أن يتم رصد التأخير بنصف دقيقة.

وما كاد يباشر عمله لإكمال أعمال اللجنة التي يتولى رئاسته وإنهاء بقية محاضر الاجتماعات السابقة وقراراتها والمشاريع المنبثقة عنها والتي عمل لأجلها بإتقان ولشهور متواصلة حتى أنه يأتي خلال إجازة نهاية الأسبوع لمقر العمل لإتمامها دون تأخير وأحياناً كثيرة ينقل عمله إلى منزله، حتى تفاجئ بوصول إشعار نتيجة الترقية إليه، معيار الأداء الوظيفي 30/30، معيار الأقدمية 30/70، ليصبح المجموع 60 من 100، مرفق معه إشعار بالاعتذار عن ترقيته لوجود من هو أعلى منه لاستحقاق الترقية، ليسمع هتافاً من بعيييييد لشخص سعيد جداً يحتفل بترقيته وسط استغراب من الزملاء عن سر استمراره في الترقية دون تأخير!!

موضوع الترقية قد تصبح موضوعاً يثير الدهشة والسخرية في آن واحد، حيث يبدو أن بعض الأمور تعتمد على معايير مبهمة. في هذا السياق، نستطيع القول أن ترقية الموظفين غالباً تتم بناءً على معيارين رئيسيين: «الكفاءة والدنصرة».

قد لا نحتاج إلى تعريف الكفاءة كونها أمراً طبيعياً ومألوفاً جداً، ولكن قد تتساءل عن معنى الدنصرة لأنه بالتأكيد ليس الحال معه كما في الكفاءة، فلدينا الجواب: هو الفن الذي يجمع بين جمود الأذهان وخمول الإنجازات وطول السنوات، إذ أن ترقية الموظف بهذه الحالة ليس لأنه متميز أو محترف في عمله، بل لأنه أصبح ديناصوراً بحسب عدد سنوات خدمته. يبدو أن القدرة على البقاء في المؤسسة لفترة طويلة تمثل مهارة رئيسية!! حتى لو لم يكن للموظف أي دور فعّال في تطوير العمل، هذا النوع من الديناصورات هو الأكثر قدرة على البقاء في مكتبه لساعات طويلة دون أن ينجز أي شيء ملموس، يظل الديناصور واثقاً من أن سنوات خدمته الطويلة تجعله مرشحاً أفضل للتقدم.

لذلك نجد صاحبنا الكفؤ توقف عن إكمال عمله احتجاجاً على هذا الوضع المريع الذي بات أمرا لا يحتمل بحسب قوله، ليتقدم بطلب نقله إلى إدارة أخرى، بعد فترة من المتابعة والتعطيل بحجة الحاجة إلى خدماته ليعقبها إضراب عن العمل ليجدوا بأن لا فائدة من وجوده لديهم ليوافقوا أخيرا على رغبته بالنقل، وما إن انتقل إلى مكان عمله الجديد حتى... اكتشف بأنه أصبح وسط حديقة الديناصورات!!!!

على الرغم من السخرية من هذا النهج الفريد لترقية الموظفين، يظل الأمل معقودًا على أن الكفاءة ستكون أكثر أهمية وأعلى قيمة من الأقدمية مع خالص التقدير للقدماء المخضرمين الذين يؤدون أعمالهم بكفاءة فعلاً بالإضافة إلى خبرتهم القديمة. لكن حتى ذلك الحين، سيبقى الديناصور يستمتع لفترة ترقياته المتواصلة، في حين يبقى الكفء يبحث عن طريقة للنجاة من زملاء العمل الذين يظهرون بعض الأعراض الإنقراضية.