آخر تحديث: 30 / 4 / 2024م - 1:07 ص

‎الحق والصديق وحقوقه

سلمان العنكي

الحق: كلمة مخرجاتها تعني ”عدم الاعتداء على حقوق الآخر المادية والمعنوية، الجسمية والفكرية وغيرها، قريباً كان أو بعيداً، حياً وميتاً، وأن تراعي العدالة والمساواة حال التعامل معه وإنصافه في النزاع بينه وبين خصومه“.

لا يقول أحد: إنه مع صديقه يدافع عنه، يبرر أفعاله وأقواله، تأخذه العاطفة والعزة بالإثم فيُشهد له، وإن كان مبطلاً، على من يعادي أو يختلف معه، ويخالفه أو لا تربطه به علاقة، ولو كان محقاً. أنت هنا ظالم لنفسك ولصديقك، شريك في الجريمة. ”الحق أحق أن يُتبع“. لا تظلم، إنها ظلمات أنت لاقيها ومسؤول عنها. وإن خاصمتَ، لا تحيف في قضاء لصالح من تُصادق، كما لا تحب أن تُظلم. الأولى بالصداقة تمنعه من الظلم.

روي عن أمير المؤمنين وسيد الموحدين الإمام علي قوله: ”والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً، وأُجرّ في الأغلال مصفداً، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد“.

وللصديق ثلاثة حقوق: يجب أن لا تكون على حساب تلك وهي:

أولا.. مساعدته في الشدائد:

تعترضنا المصائب دون حساب بعناوين مختلفة مالية، مرضية، نفسية، أحوال شخصية، اجتماعية، وأصعبها جميعاً فقد الأحبة وشماتة الأعداء. عندها يُمحّص الأصدقاء، وكما قِيل ”الصديق وقت الضيق“. لا تدع صاحبك، وقد احتاجك في ظروف قهرية أحاطت به يصارعها وحده. بُعدك عنه في هذا الوقت الحرج يزيده ألماً. مطمئن إن حبل النجاة بيدك، وإذا بك تقطعه. لا تنتظره يسأل، بادر لنجدته. تصحبه في الرخاء عُمراً ربما حملك على أكتافه مرات، حتى إذا ما أقحط وابتُلي كأنك لم تعرفه من قبل. ”تحالف الناسُ والزمانُ فحيثُ كانَ الزمانُ كانوا عادانيَ الدهرُ نِصفَ يومٍ، فانْكَشَفَ الناسُ لي وبانُوا“. كن عوناً لا فرعوناً.

ثانيا… حفظه في غيبته:

احفظه في غيبته، لا ترض أن يُنال منه، ومِن عرضه، فضلاً أن تقع فيه. لا تكن ذا وجهين، تُوسِع جلساءك حديثاً مطولاً، إنك تنفق عليه، تعلم أولاده، تقضي دينه وحوائجه معه في كل محنة، والواقع خلاف ما ذكرتَ. هذا معيب. إن كنت صادقاً كشفت مستوراً، كيف بك كاذباً؟ تراه محتاجاً دون أن تفعل له شيئاً. لو كُشف عنك الغطاء لبانت حقيقتك من الشامتين لا المخلصين كما تزعم. ليست هذه صداقة، بل حماقة. الصديق من صَدَقَكَ لا من كَذَبَ عليك وشهّر بك وتركك وحيداً، الأمواج العاتية تقذف بك إلى أعماق البحار، أو تحطك السيول في وادٍ سحيق.

ثالثا… الوفاء له بعد وفاته:

يظن البعض أن الوفاة تنهي الصداقة، تنقطع الصلة، غير أن مبدأ الأخلاق وما أوصى به الصلحاء، وعملوا به خلاف ذلك. منها ما روي عن النبي الأعظم سيد الأخلاق محمد عليه وآله أفضل الصلاة والسلام: «أنه كان مخلصاً لصديقات زوجه السيدة خديجة رضوان الله عليها، فبعد وفاتها كان يكرمهن». ونُقل إن الإمام محمد بن علي الباقر قال لابنه الإمام جعفر الصادق عليهما السلام ما معناه: «أوصيك بأصحابي من بعدي خيراً». فنفذ الابن وصية أبيه، لم يترك منهم محتاجاً لمال أو علوم بأنواعها الدينية والدنيوية لغيرهم، كفاهم عن الكل، حتى أصبح الغير مَن يحتاجهم وهناك توصيات للأولاد أن يصِلوا ويتفقدوا أحوال أصدقاء آبائهم بعد الموت، وفينا اليوم من يفعل هذا براً ووفاء.