آخر تحديث: 3 / 5 / 2024م - 5:45 م

ديوان صلوات عرض وتعريف

وقع بين يدي الديوان الجديد للشاعر البحريني المميز عبدالله القرمزي تحت عنوان ديوان صلوات الطبعة الأولى عام 2023 وهو ديوان شعري مختص في الصلاة على محمد وآل محمد «صلوات الله وسلامه عليهم»

الديوان ضخم يتكون من حوالي 400 صفحة وبطبعة فاخرة

بدأ بتقاريظ لشخصيات أدبية وهامات شعرية أولها شاعر الأحساء الكبير جاسم الصحيح الذي وصف القرمزي بأنه ليس مجرد شاعر عابر، وإنما متبتل في محراب المحبة للنبي وآل بيته.

مما قال عنه هو الشاعر الذي نحبه مقدار ما نحتاج للحب في حياتنا....

إنه الشاعر الذي أصبحت قصائده رسائل عشق في آل البيت، وأصبح الناس في مجتمعه سعاة بريد لهذه الرسائل يتناقلونها... وكأنها طقس من طقوس الحياة.

كما نال شاعرنا القرمزي تهاني والده الأستاذ الشاعر حسن القرمزي واصفا الديوان بالملحمة التي ولدت قبل أن تولد.

أما الناقد الدكتور علي فرحان رئيس مركز اللغة العربية في الجامعة الأهلية في البحرين، فقد أعطى الشاعر الأسبقية في هذا المجال، وقال بأنه لم يسبق بنظير في الصفة والتنوع قائلا ملأ هذا الديوان مكانا شاغرا في الأدب الولائي.

وقالت الدكتورة زينب طرادة رئيسة قسم اللغة العربية في جامعة البحرين للتكنولوجيا أنه ليس محض ديوان شعر، هو إلهام تفرد به الشاعر عبدالله القرمزي.

وتحت عنوان صلوات قرمزية قال سماحة الشيخ جعفر الستري أستاذ الحوزة العلمية أنه لم يقرأ أو رأى ديوان تخصص في موضوع الصلوات، مركزا على التنوع في تشعبات موضوع الديوان.

والاستيحاء المعرفي من الروايات حول معنى وثواب الصلوات.

كما قرظ للديوان الشاعر الأستاذ رضا درويش واصفا إياه بأنه جوهرة من جواهر قلبه العامر بمحبة محمد وآله.

وتناول الأستاذ عقيل القشعمي الديوان بقوله: ”هذا الديوان هو صورة مجتزأة من تاريخ طويل في خدمة الشعر الولائي... الذي يضاف إلى سلسلة طويلة من إبداعات الشاعر“.

أما الدكتور عيسى الوداعي أستاذ، اللغة العربية في جامعة البحرين، فقد رأى أن هذا العمل «الديوان» إنما يسلك في سلسلة من شعراء البحرين الذين عقدوا قلوبهم على محبة أهل البيت ونشر سيرتهم وتعداد مآثرهم.

وختم الشاعر نادر التتان التقريظ بالثناء على الشاعر القرمزي، ووصفه بالشاعر المبتكر المبدع بكل ما تعنيه كلمة الإبداع من معنى، وأنه تعلم منه الكثير حين صاحبه أعواما لا يفترقان.

عرض

بدأ شاعرنا ديوانه بمقدمة في فضل الصلوات على محمد وآل محمد مستشهدا بروايات وأحاديث، وأنه عكف على فكرة إعداد الديوان منذ العام 2019 التي جاءت انطلاقا من احتفالات مواليد محمد وآل محمد، وأنه كان يسكنه حب ما يتردد على الأفواه من أبيات مديح وصلوات يضج بها الحفل، وكم كان يتمنى أن يقبل منه بيت واحد يخلده في محافل الذكر ومنابر المودة المحمدية.

فنوى السعي في التعلق بخلود الصلاة على محمد وآل محمد، وسعى للتوفيق مطلعا على أكثر، من 280 مصنفا وكتاب بأكثر من لغة في موضوع الصلوات

حتى جاء ديوان «صلوات» مختصا في الصلوات المكتوبة بصورة شعرية متنوعة البحور والقوافي على شكل مقطوعات.

بوب الديوان في أبواب بدأت في الاقتباسات القرآنية، ثم ذكر الأنبياء، ثم مناسبات محمد وآل محمد ثم ثوابها ثم أثرها ثم الزيارات والروايات ثم أوقاتها ثم الحكم الأمثال،

استهل الديوان بهذه المقطوعة

الحب شيبني

ما نورت شيبة في الرأس من كبر
الحب شيبني في سادة البشر

وكلما شيبة في الرأس قد نبتت
صلى اللسان على المبعوث من مضر

كأنما الشيب عداد أزيد به
ذكر الصلاة إلى أن ينتهي عمري

حتى وددت لو أن الشيب حالفني
لكي أصلي على الأطهار من صغري

وأن يطيل بعُمرِ الناس ربُّهم
ويهنأونَ بشيبٍ فاخرٍ نَضِر

لكي يُقال لهم بالحشرِ إن حُشِرُوا
عند الحساب بلا شيب ولا كدر

هذا الذي كان فوق الأرض يذكرنا
تعداد ما في رؤوس الناس مِن شَعَر

ومن الباب الأول الصلوات القرآنية انتقيت لكم هذه المقطوعة

إن الله وملائكته

أرأيت أمرًا في الكتاب عظيما
قد حازَ مِن لَدُنِ السَما تفخيما

مثل الصلاة على النبي وآلِهِ
أمرًا يُقدِّمُهُ لنا تقديما

إذ كان من بدأ الصلاة بذاته
وبقى يُصلي دائما تكريما

صلى عليه وقال يا من آمنوا
«صلوا عليه وسلموا تسليما»

ومن الباب الثاني نراه يقول

صل وسلم وزد وبارك
إذا كان الإله عليه صلّى
وقد صلت وسلمت الملائك
ألا يا مؤمنون عليه صلوا
فإنّ الفوز في الأخرى بذلك
على إبراهيم قد صليت ربي
فصل على النبي وزد وبارك

وقفة معا للتوجه الشعري في الديوان

هذا الديوان كما سماه صاحبه الشاعر القرمزي من الشعر الوظيفي «شعر المناسبات» في أغلبه، وكما قال الدكتور علي فرحان في تقريظه للديوان ”زان الديوان منظوماته المبنية على روايات معتبرة في كتب الأخبار عن المعصومين

وكما قال الشيخ جعفر الستري إن للديوان ”قيمة معرفية عقائدية بعيدة عن محض الخيال وآل تصورات المجازية“.

بل الشاعر نفسه يقول ”واعتمدت في المقطوعات الصلواتية على أمور أهمها: الاستناد للنصوص الروائية المأثورة عن محمد وآل محمد صلى الله عليهم أجمعين من المصادر المعتمدة، والتي تتحدث عن هذا الباب وما له علاقة به من بعيد أو قريب، أن تحمل الأبيات فكرة محددة ومركزة وواضحة، وتفضي لتفاعل المستمع بالصلوات مباشرة حال سماعها، أن تكون المقاطع قصيرة وجاهزة للاستخدام في المحافل لسهولة حفظها وتردادها، أن تكون قدر الإمكان جذابة ومشوقة وملفتة، أن تستخدم الصور والمحسنات والرمز وتحاول الإدهاش بالقدر المطلوب لغرض الصلوات لا بغرض الإكثار من تكثيف الصور أو عدمها، أن تتشعب الصلوات في أبواب متعددة كثوابها ونتائجها وأوقاتها وغيرها، أن تقترب من المجتمع في فعالياتهم المنوعة ومناسباتهم لتكون حية مع الناس.“

فعلى الرغم من تمكن الشاعر وغزارة إنتاجه الشعري وتمكنه من ذروة الشعر إلا أنه لم يعط للقيمة الشعرية والعاطفية المؤثرة في النفوس ذلك الاهتمام الذي ينبغي له.

ورأيناه ركز على الجانب العقائدي والمعرفي حتى إنه بالغ الجانب الروائي في هذه المقطوعات لدرجة أنه تحول لنظم لبعض الآيات والروايات في بعض المقطوعات.

تراه ينظم رواية على شكل بيتين شعريين فيقول

"ما من مصل على الهادي وعترته
إلا وأُجل رصد الذنب إن بدرا

لا يكتبون ثلاثًا منه عثرته
لعل ربك لا يبقي لها أثرا"

«ما من أحد صلى علي وأسمع حافظيه إلا أن لا يكتبا ذنبه ثلاثة أيام» بحار الأنوار

وفي موقع آخر فضل الخلق

يا ربنا في أفضل الليالي
قرباننا بأفضل الأعمال

لأفضل الخلق من البرايا
وكامل الصفات والمعالي

من أول الدنيا إلى فناها
صل على محمد والآل

«عن أبي عبد الله قال: ما من عمل أفضل يوم الجمعة من الصلاة على محمد وآله» بحار الأنوار.

كم تمنينا أن نجد في هذا الديوان صورا شعرية شاعرية التي تعودنا من شاعرنا أن يتحفنا بها، لكن يبدو أن الاهتمام بالجانب الروائي غلب على تصوير الجانب الشعري، فتحولت كثير من المقطوعات لمجرد نظم، ولعل السبب في ذلك هو تعمد الشاعر نفسه فهو يطلب الأجر والثواب أولا ويطلب أن يخلد من ديوانه بعض المقاطع كما خلدت بعض المقاطع التي يتداولها الناس في الاحتفالات نحو يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله أو بآل محمد عرف الصواب كما ذكر في مقدمة الديوان ولعمري هذا مطلب كريم لا يناله إلا ذو حظ عظيم.

وشاعرنا يسير ومعه اتجاه من الشعراء التخصيص شعره في هذا الجانب أرجو له القبول، غير أني لا أتفق مع هذا التوجه في كون التخصص في نظم مآثر أهل البيت هو سبب خلود الشاعر في نفوس وقلوب وأذهان الناس مع مر العصور، ولست أنفي عنه الأجر والثواب.

وهذا الأجر والثواب لا يقتصر على الشعر، بل من ذكر فضيلة لعلي نال الثواب دون الحاجة لنظمنها شعرا.

عن الصدوق رحمه الله عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إن الله جعل لأخي علي فضائل لا تحصى كثيرة، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لذلك الكتاب رسم، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر ثم قال: النظر إلى [ أخي ] علي بن أبي طالب عبادة، وذكره عبادة ولا يقبل الله إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه».

فهل نكتفي بذلك دون نظم الشعر؟

إن نظم حب الآل بشعر فيه العاطفة الشعرية بالتأكيد له أجره وله خلوده على ألسن الناس أكثر من النظم الخالي من العاطفة والخيال وكما نعلم، فإن الشعر له أركان أولها المعنى والفكرة بصدق التعبير وثانيها الخيال والتصوير وثالثها العاطفة والتأثير.

فإن خلا شعر من أحد هذه الأركان أو نقص اتضح الخلل، ويتضح أن الموازنة بينها هي ذروة سنام التمكن من الشعر. وأعلى مراتبه.

وهناك شواهد كثيرة لأبيات ربما كانت يتيمة أو قصائد مفردة لا يمكن أن تمحى من الذاكرة كأبيات الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في قصيدته فداء لمثواك من مضجع.

أو قصيدة السيد رضا الهندي أمفلج ثغرك أم جوهر وأمثالهم، فقد جمعت بين ذكر أهل البيت والقيمة الأدبية العالية والأداء المتمكن، وربما جمع البعض مهارة الإلقاء.

تلخيصا نقول: إن الشعر الذي يكتب له الخلود على ألسن الناس وأكثر تأثيرا في النفوس والأجر إن شاء الله هو الشعر الذي يجمع أركان الشعر من معاني وأفكار ذات سمو فكري، وبعد علمي مع صور وخيالات شعرية ممزوجة بعاطفة رقراقة.

كاتب سعودي، عضو مركز آفاق للدراسات والأبحاث