آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 12:45 م

سيهات جميلة

محمد العباس * صحيفة اليوم

سيهات جميلة. عبارة تبدو عادية إذا ما نطقها مُغرم بمدينته في السياق اليومي للحياة مجردة من الفعل والنوايا. أما إذا ارتبطت بفكرة ملهمة، فإنها تكتسب شحنة من المزايا العملية والدلالات العاطفية. وهذا هو ما جعل تلك العبارة تتصعد دراميًا لتصبح عنوانًا لمبادرة أهلية من قبل فئة عريضة من أبناء سيهات يجمعهم الحُبّ والوعي بأهمية أن تتشح مدينتهم بالجمال. حيث تراهن رؤية المبادرة في منطلقاتها الأولية على بناء مجتمع مثقف يعي معنى الحفاظ على البيئة من خلال العمل الجماعي. وتهدف إلى رفع روح التكافل وتعزيز الانتماء. كما جاء في مبتغيات المبادرة. وذلك من خلال إبراز قدرات الشباب وتطوير إمكانياتهم، وإرساء دعائم الحُبّ والولاء للوطن، وتوطين مفاهيم الذوذ عن البيئة، وانعكاس تلك العلاقة المعنية بالنظافة العامة على المجتمع.

المبادرة أهلية في المقام الأول. وقد أطلقها ابن سيهات محمد علي آل خليفة باعتباره صاحب الفكرة والمشرف عليها. وتعمل تحت مظلة جمعية سيهات للخدمات الاجتماعية، وبرعاية رسمية وموافقة شخصية من صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية. ودعم من الأستاذ خالد الصفيان، محافظ القطيف. والمهندس زياد مغربل، رئيس بلدية محافظة القطيف. ويشارك فيها إلى جانب مختلف الفئات الأهلية والفرق التطوعية في سيهات، إدارات المرور والشرطة ووزارة الزراعة ومكتب التربية والتعليم بالمحافظة وحرس الحدود. وتعمل كلها مجتمعة ضمن لجان متعددة ومتخصصة في التثقيف، والحفاظ على البيئة، وترميم مساكن الفقراء، وإزالة المباني المهجورة والأنقاض، وإزاحة الباصات والشاحنات. وذلك وفق هيكل تنظيمي يشمل طابورًا من المشرفين والمتطوعين مهمتهم إلى جانب العمل الميداني، تطوير الحملة، والبحث عن مصادر تمويل، واجتذاب أكبر قدر ممكن من المتطوعين للمبادرة، ونشر أهدافها.

قبل أسبوع انطلقت حملة التجميل الأولى. وستستمر لمدة ثلاثة أشهر. يتم فيها نشر ثقافة النظافة والعناية الجمالية بالمدن. وتشمل إزالة مخلفات الشواطئ، وإزاحة السيارات التالفة من الشوارع والمباني الآيلة للسقوط، والحدّ من دخول الباصات والشاحنات إلى الأحياء السكنية لتقليل المخاطر. ودعم برنامج لجنة تحسين المساكن في الجمعية. ومسح الكتابات والعبارات المسيئة الملوثة لجدران المدينة وذلك بالتعاون مع البلدية. وتنظيف المساجد بالتنسيق مع القيمين عليها. وتنظيف المتنزهات وكل أرجاء المدينة بشكل عام كالمزارع التي تتجمع فيها النفايات. وتزيين مفاصل المدينة بخمسة نُصب جمالية جديدة. وكل ذلك يصب في الهدف المركزي وهو إبراز الوجه الحيوي لسيهات، وتأهيلها كمدينة نموذجية مثالية على مستوى النظافة والاعتناء بالبيئة.

المبادرة لم تعد مجرد أمنية، بل أصبحت منذ الأسبوع الماضي واقعًا ملموسًا يتحرك على الأرض. ولكنها لن تتوقف عند هذا الحد بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من وجه المدينة المتآكل. ولا يمكن أن تراوح في محلها لتتحول إلى مجرد شعار محتقن بالأمنيات والوعود والتسويفات. لأنها رهان حقيقي ليس على جدّية القائمين عليها وحسب، بل أيضًا على أهالي سيهات الذين سيقفون أمام امتحان حقيقي لحُبّ مدينتهم. وهو ما يعني أن المبادرة مفتوحة على اقتراحات تحفظ استمراريتها، وتنقلها من مهمة ترقيع وجه المدينة المشوه بالإهمال واللامبالاة إلى مرحلة تزيينها، وإعادة تأهيلها جماليًا. وهو الأمر الذي يستدعي حضور وإسهام المثقفين والفنانين والأدباء والمعماريين. كما تحتّم المبادرة الاستعانة بمحبي التراث والآثاريين الذين بمقدورهم تشكيل رؤية تراثية للمدينة في المواقع الأثرية الآخذة بالأفول. بالإضافة إلى قائمة طويلة من المقترحات التي مازالت في طور الأمنيات.

المقترحات كثيرة، ومن المبكر رميها دفعة واحدة على طاولة المسؤولين عن المبادرة. إذ لابد أن تُختبر الحملة في شوطها الأول عبر ممرات وامتحانات واقعية. وإذا كان لابد من استثمار الهبّة العاطفية لأهالي سيهات، فليكن هذا التوظيف في سياق تثبيت الفكرة وتعميق أهدافها في الوجدان الجمعي. أي تشكيل رؤية مرحلية تتناسب مع حجم المهمات الملقاة على عاتق العاملين فيها. سواء من ناحية التمويل، أو اجتذاب المتطوعين، أو تجويد العمل الميداني، أو التثقيف. أي التخطيط بواقعية علمية منهجية، لا تدير ظهرها للأحلام، وفي الوقت نفسه لا تحتكم إليها. وأعتقد أن مؤشر نجاح المبادرة سيتأكد من خلال قدرة المشرفين عليها على تحفيز مختلف الفئات والتوجهات على الانضمام إليها، والعمل بإخلاص في لجانها وبرامجها. وإشراك المرأة في أسرع وقت ممكن. أي عدم تأجيل حضورها وإبعادها عن سيرورة التخطيط للحملة تحت أي ذريعة اجتماعية أو عُرفية.

تزدحم سيهات بالمؤهلين لتجميلها وإعادة الروح لها. وفي هذا الصدد لا تقل أهمية إنسانها العادي عمن يوصفون بالنخب، سواء على المستوى الاقتصادي أو الثقافي أو الاجتماعي. فعندما يتعلق الأمر بحب الأرض يتساوى الجميع في البذل والعطاء. وهذه المبادرة ليست حملة مثقفين بل حملة عقول وسواعد. والشهور الثلاثة الأولى لا تكفي حتى لإزالة القشرة الرهيفة للقبح والتشويه الذي تمكن من روح المدينة ومظهرها. ولذلك ينبغي الانتباه إلى محاذير اللقطة الإعلامية التي تحمل المتشاوفين في لقطات تذكارية تزدحم بها مواقع التواصل الاجتماعي. واعتماد المؤشر الأكبر الذي يمفصل سيهات إلى ما قبل المبادرة وما بعدها. فهذا هو الفضاء الذي سيتم الاحتكام إليه إذا صارت سيهات بالفعل جميلة. وهو الذي سيحدد إن كانت المبادرة ستتمدد في الزمان والمكان. أو ستكون مجرد فورة عاطفية، أو ردّة فعل، أو محاولة ستعقبها محاولات.

ناقد وكاتب