آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 5:05 م

ثقافة التشفي

محمد أحمد التاروتي *

تظهر اخلاقيات المرء، في ردود الافعال، التي يظهرها تجاه كل طرف، يختلف معه، فالسلوكيات تفضح الشعارات، التي يتوارى خلفها، امام وسائل الاعلام، او التجمعات الجماهرية، بيد ان المستور سرعان ما ينكشف في التعاطي، مع مواقف الطرف الاخر، اذ تبرز هذه الاخلاقيات عبر الكلمات، التي يطلقها، او العبارات، التي يكتبها، فالمواقف الايجابية، او السلبية، انعكاس لمجموعة، القيم التي يحملها المرء، او ينادي بنشرها على الدوام.

العداء الصارخ الذي يخرج صاحبه، عن جادة الصواب، او طريق الحق، يدفع صاحبه لانتهاج مواقف صادمة، للمحيط البعيد، قبل الجماعة القريبة، اذ يحاول ابراز مقدار حقده، تجاه الطرف الاخر، بشتى الوسائل، فمرة يستخدم الغطاء الديني كمبرر للاصرار، على الموقف الصادم، وتارة يمارس الغطاء السياسي، لاقناع المحيط الاجتماعي، بصوابية موقفه، خصوصا وان العداء، يتطلب حالة من التوازن، ”احبس هواك عن الفواحش“، بمعنى اخر، فان العداء القائم على القيم يتطلب، مواقف حاسمة، ولكنها تمسكه عن ارتكاب المحظورات، والمحرمات، فالالتزامات بالثوابت، يعصم المرء عن الوقوع في الزلل، ويضعه على جادة الصواب.

ثقافة التشفي في الطرف الاخر، تكشف مقدار الحقد الذي يكنه في صدره، فالعداء الاسود يدفع المرء، لاطلاق مواقف غير متوازنة، وخارجة عن السياق الاخلاقي، فالبعض يعبر عن مقدار تشفيه، باظهار الفرح والسرور، في مصائب الاخرين، مما يدفعه لاطلاق العنان، لمختلف الممارسات ”الوضيعة“، في سبيل ارضاء، بعض الاطراف، على حساب القيم الاخلاقية، والانسانية، بحيث يتجاهل اتخاذ المواقف العقلانية، والسليمة، خصوصا وان هناك مواقف تتطلب المساندة، او المساعدة، كما ان هناك مناسبات تحتاج، الى الصمت ”الصمت حكمة“.

لا يجد المرء صعوبة، في اكتشاف اصحاب القلوب السوداء، والمواقف الصادمة، في الازمات سواء المالية او الاجتماعية، حيث يحاول استغلال بعض الظروف القاهرة، للطرف المنافس في سبيل، تحقيق المآرب الشخصية، من خلال تضخيم بعض الامور الصغيرة، الصادرة من الطرف الاخر، كترجمة عملية للتشفي والانتقام، اذ لا يتورع عن استخدام، جميع الوسائل لتعميق الجراح، في الطرف المقابل، فمرة عبر اطلاق حملة شعواء، في وسائل الاعلام المختلفة، وتارة في الغوص في القضايا الشخصية، ومحاولة البحث عن الماضي، بهدف اسقاط تلك الاطراف، وافراغ الساحة من المنافسين.

التشفي يمارس بقبعات متعددة، فالبعض يلبس قبعة العداء الشخصي، كعنوان لتبرير المواقف العدائية، والخارجة عن السياقات الاجتماعية، والاخلاقية، فيما يحاول البعض استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة، التي يعيشها الطرف الاخر، عبر لبس قبعة التكافل الاجتماعي الزائف، بحيث يعمد لانتهاج سياسة الاذلال، في سبيل توفير اسباب الحياة الكريمة للاخر، بينما يتخذ البعض القبعة السياسية، كوسيلة سريعة للقضاء على الطرف المنافس، فالتشفي السياسي امر شائع في العلاقات الدولية، وكذلك التوازنات الاقليمية، فالقبعة السياسية تعطي صاحبها مساحة واسعة، من الممارسات غير الاخلاقية، تجاه الاطراف المعادية، او المنافسة، نظرا لانعدام الخطوط الحمراء، المستخدمة في سبيل، القضاء على الطرف الاخر، فالمصلحة تمثل المرتكز الاول والاخير.

كاتب صحفي