آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 5:05 م

ثقافة التخدير

محمد أحمد التاروتي *

التخدير مهارة، ليست متاحة للجميع، فهي تعتمد على قدرة كبيرة، على الكذب، واحيانا المشاركة في المعاناة، وثالثة في تقمص دور الضحية، ورابعة لعب دور النصح.. ﴿ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ.

تتعدد وسائل التخدير، باختلاف الطرف المقابل، وقدرته على الرفض، والقبول، فهناك اطراف لا يتطلب استقطابها، سوى بعض الكلمات المعسولة، او دموع التماسيح، بينما تحتاج بعض العناصر، الى طاقة كبرى لتخديرها، نظرا لوجود مضادات في عقولها، لرفض تلك الادعاءات الكاذبة، مما يستدعي استخدام المهارات الخفية، للتأثير عليها.

عرفت الكيانات البشري، ة مختلف انواع التخدير، فهذه النوعية من السياسة، تمارسها اطراف تمتلك الوسائل، والامكانيات للانتشار، في الوسط الاجتماعي، اذ تحاول السلطة الاجتماعية المتنفذة، استغلال بعض العناصر، ذات التأثير الكبير، في تمرير بعض مشاريعها الخاصة، مما يجعلها تتقرب، من المفاصل الاساسية، في المجتمع، حيث تمثل النخب الثقافية، الهدف الابرز، لتلك السلطات الاجتماعية، نظرا لادراكها التام بقدرتها، على احداث تحولات جذرية، في منظومة القناعات المسبقة، وبالتالي القدرة على بسط النفوذ، بعيدا عن العنف، بشتى اشكاله.

استخدام التخدير، يتطلب قدرة فائقة، من التدريب والتأهيل، على ممارسة الدور المطلوب، خصوصا وان عملية التقرب، من الاطراف الاخرى، لاحداث اختراق حقيقي، في القناعات الفكرية، يحتاج الى عناصر خاصة، ومؤهلات محددة، وبالتالي فان التخدير يعتبر من الممارسات الخطيرة، خصوصا وانها تنقل العناصر من ضفة لاخرى مغايرة، تماما للمعتقدات الفكرية، والثقافية السابقة، اذ ليس من السهل ”تطليق“، جميع المكتسبات الفكرية دفعة واحدة، مما يفرض على اصحاب التخدير، استخدام العلاج التدريجي، لمسح الذاكرة الكاملة، من اللاشعور، بحيث تمارس طريقة علاج الادمان، في منهجية التخدير.

عملية التخدير الثقافي، ليست هدف استراتيجي، بقدر ما تمثل تكتيكا مرحليا، بحيث تفرض ايقاعات الحياة، انتهاج هذه السياسة، لسحب البساط من تحت اقدام، بعض الاطراف المنافسة، او محاولة افشال مشروعها الثقافي، مما يستدعي تشكيل فريق تخدير، يمارس الخداع العلني، او الخفي، تجاه الطرف المنافس، بحيث تتحرك بشكل جماعي، او فردي، للتأثير على مصادر القوة، او المناطق المؤثرة، لاحداث زعزعة حقيقية، الامر الذي يدفعها للاستسلام، او محاولة لملمة الوضع الداخلي، مجددا لمواجهة الخطر الداهم.

الاغراض السياسية، والاطماع الاجتماعية، عوامل محركة، في ممارسة ثقافة التخدير بالمجتمعات البشرية، حيث تبدأ الماكنة التخديرية، في بث سمومها، او دعايتها بمجرد الشعور، بالخطر القادم، فهذه الماكنة تحاول امتصاص النقمة الاجتماعية، عبر بعض العمليات التجميلية المؤقتة، الامر الذي يحدث بعض الاهتزازات، في القناعات الفكرية، للطرف المقابل، مما يحقق جزء من الاهداف المرسومة، بيد ان الوجه الحقيقي، سرعان ما يظهر على حقيقته، بمجرد الحصول على الهدف المنشود ﴿إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا و﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

كاتب صحفي