آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 5:05 م

ثقافة البناء

محمد أحمد التاروتي *

البناء مفهومه التقليدي، يتمحور فى الارتقاء، بالاتجاه الايجابي، اذ يقف في تضاد كامل، مع مفهوم الهدم، فالاول ينطلق بروحية العطاء، والبذل الكبير سواء لخدمة الذات، او للنهوض بالبيئة الاجتماعية الصغيرة، والواسعة، فيما الثاني يتحرك باتجاه التخريب، وايقاف عجلة النمو، والتطور العقلي، والثقافي، والاجتماعي، وبالتالي فان عملية النهوض، والارتقاء الشامل، مرهون بقدرة المجتمع، على التمسك بخيار البناء، ونبذ كافة المفاهيم المحرضة، لانتهاج سبيل الهدم، والتعامل بروح سلبية، مع مختلف القضايا، خصوصا وان السلب يعرقل المسيرة الانسانية، باتجاه تعزيز الرفاهية، وتكريس ارادة الحياة، على اتجاهات اشاعة الموت والقتل.

المباني الفكرية للمرء، تمثل مدخلا للتعاطي، مع الواقع الاجتماعي، فالانسان ينطلق من البيئة الثقافية، التي يكتسبها في المحيط الاسري، بالدرجة الاولى، وبالتالي فان الثقافة الايجابية، التي يعيشها الفرد في البيئة العائلية، تشكل احد المحاور الاساسية للانطلاق، باتجاه التعامل، مع الملفات الاجتماعية السائدة، بحيث يتفاعل ايجابيا، مع المحركات الثقافية، والمشاريع الانمائية، عبر المساهمة الفاعلة لنشرها، والحرص على تكريسها، بينما ستكون ردة الفعل سلبية، مع اكتساب النظرة المتشائمة، المكتسبة في المحيط الاسري، فالمرء لا يتحرك في الغالب، من تلقاء نفسه، بقدر ما يتفاعل مع المؤثرات البيئة، التي تمتزج، مع مورث التقاليد المكتسبة، مما ينتج عنها مواقف مغايرة، وغير متوقعة احيانا.

ثقافة البناء، عملية متراكمة، وقناعات متوارثة، بعضها ناجم، عن التأثير الاعلامي السائد، والبعض الاخر مكتسب، من البيئة الاجتماعية المعاشة، وتارة تبرز عبر العلاقات البشرية،، بمعنى اخر، فان انتشار هذه النوعية من الثقافية، مرهونة بعوامل متعددة، وخليط من الامور المتراكمة، عبر السنوات، اذ من الصعب اكتساب هذه الثقافة الايجابية، بشكل مفاجئ، فالمرء نتاج تجارب حياتية، وبيئات اجتماعية متعددة، بيد ان ترجمة الحالة الايجابية، الى واقع عملي مرهون، بالقابلية الداخلية من شخص لاخر، فالبعض لا تجدي معه مختلف انواع المحاولات، جراء وجود حواجز داخلية، واخرى خارجية، ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ، بينما لا تجد هذه النوعية من الثقافة، صعوبة تذكر في الولوج، الى الكيان الداخلي للبعض الاخر، نظرا لوجود الارضية المثالية للاستقرار، واختفاء العوامل المؤثرة، في تبني الثقافة الهدامة ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.

انتشار ثقافة البناء، سواء على الصعيد الفردي، او الاجتماعي، ينعكس بصورة مباشرة، على صورة مبادرات خلاقة، في احلك الظروف، فالنظرة المتفائلة تستغل الازمات، للانطلاق منها بالاتجاه الايجابي، مما يترجم على صورة حلول عملية، لتجاوز الملفات العالقة، فهناك الكثير من القضايا اختفت، بشكل نهائي مع البدء في التعاطي، معها بشكل ايجابي، ”الحاجة ام الاختراع“ بمعنى اخر، فان طريقة التعاطي مع القضايا والمشاكل، تشكل عاملا اساسيا، في تحديد المسار، ”اشتدي ازمة تنفرجي“، فالنظارة السوداء تحجب النور عن الرؤية، وتسهم في تحطيم الارادة الصلبة، الامر الذي يزيد من عمر المشكلة، ويحليها الى مرض مزمن، يصعب ايجاد الامصال القادرة، على علاجه بشكل نهائي.

كاتب صحفي