آخر تحديث: 6 / 5 / 2024م - 9:41 ص

‏الجبيل الصناعية.. بقعة الضوء

فاضل العماني * صحيفة الرياض

الكتابة عن المدن، غوص غائر في محيطات العشق، وتحليق آسر في سماوات الألق. كتابة المدن أو مدن الكتابة، أشبه بنسج حكايات مدهشة، تستمد ألقها وسحرها وتفردها، من زوايا المكان وحنايا الإنسان.

وللمدن، فتنتها وسحرها ودهشتها، وأسرارها وطلاسمها وخباياها، وحكاياتها ودروبها ومواعيدها. فالمدن كالنساء، كلما ظننا أننا نعرفها، نكتشف أننا غرقنا في متاهات السراب. المدن، حكايا تطل من شرفة الزمان، وبقايا تحمل صرخات المكان.

على الجانب الشرقي من وطننا العزيز، تشع ”بقعة ضوء“ لتُنير سماء الوطن، كل الوطن، بل وكل سماوات الإنجاز والإعجاز. الحلم المستحيل الذي حولته الإرادة الوطنية إلى حقيقة شاهدة على حجم الطموح والتحدي والإصرار الذي قرر أن يحول هذه الأرض القاحلة إلى قلاع صناعية ضخمة، ومدن عصرية مذهلة تُضاهي أجمل وأرقى المدن في العالم. فعلى بعد 80 كلم شمالي مدينة الدمام، بنى الإنسان السعودي مدينة الجبيل الصناعية كأكبر مشروع هندسي وإنشائي يتم تنفيذه على الإطلاق في العالم، وذلك حسب موسوعة جينيس للأرقام القياسية.

تُعتبر مدينة الجبيل الصناعية إحدى أهم وأكبر المدن الصناعية العالمية في مجال الصناعات البتروكيماوية. عام 1975، بدأت قصة حلم تجسّد حقيقة، والقرار التاريخي الذي مثّل تحولاً وطنياً حقيقياً باتجاه تنوع مصادر الدخل الوطني والتقليل من الاعتماد الكامل على النفط، وكانت ”الهيئة الملكية للجبيل وينبع“ هي العرّاب الذي سيقود ذلك التحول الوطني الكبير.

ولكن، بمجرد أن تُذكر مدينة الجبيل الصناعية، المنصة العالية للإرادة السعودية، إلا ويكبر السؤال الذي مازال يسكن دهاليز الحيرة والظنون: كيف أصبحت مدينة الجبيل الصناعية هكذا؟، أو بشيء من المباشرة والوضوح: لماذا هي المثال الفريد والوحيد بين مدننا؟.

نعم، قد تكون هناك سلة كبيرة من الأسرار/المفاتيح لنجاح هذه المدينة الملهمة، بعضها متوفر في الكثير من مدننا، وبعضها من تفرّدات وخصوصيات هذه المدينة، ولكن السر الحقيقي الذي تملكه دون غيرها من المدن هو الاستقلالية الإدارية والمالية والتي مكنتها من صناعة هذا الحلم الوطني الفريد، بعيداً عن تداخل الصلاحيات، وإعاقة البيروقراطيات، وتشعب الإدارات، وتضارب المسؤوليات.

مدينة الجبيل الصناعية، منظومة وطنية متكاملة من القرارات والخدمات والصلاحيات، وبنية تحتية قوية وفق أعلى معايير التخطيط والتحمل والمرونة، وبيئة عمل محفزة وطموحة وتنافسية أنتجت نوعية مبدعة من الموظفين الأكفاء، ووجود استراتيجيات وخطط وأهداف واضحة وذكية وعلمية، كل ذلك صنع من هذه المدينة واحة للتنمية بجناحيها، المكان والإنسان.

منذ أربعة عقود، ومدينة الجبيل الصناعية تُمثِّل العلامة الفارقة في مسيرة الوطن، والنموذج الذي آن له أن يُستنسخ، والمثال الذي انتظر طويلاً لكي يُحتذى به.

شكراً للهيئة الملكية بالجبيل ممثلة بالعلاقات العامة لإتاحتها الفرصة لنخبة من الكتاب السعوديين لمصافحة هذه المدينة الملهمة عن قرب.