آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 10:08 ص

ثقافة المواقف

محمد أحمد التاروتي *

تمثل المواقف الحياتية، مرآة عاكسة للمبادئ، التي يحملها المرء، فالانسان بما يمتلك من قدرة، على الاختيار والحرية الكاملة، في التعبير عن ارائه، يستطيع اتخاذ المواقف الداعمة، للقناعات الفكرية، التي يعتقد بها، الامر الذي يفسر التناقض الكامل، في المواقف بالمحيط الاجتماعي الضيق، بعيدا عن البيئات البشرية المتباعدة، خصوصا وان التعليم والاجواء الاسرية، واحيانا الاصدقاء، تلعب دورا في، تشكيل المنظومة الثقافية، لدى شرائح اجتماعية.

يمكن قراءة الفكر، الذي يحمله المرء، من المواقف التي يصدح بها، بمختلف المنابر الاعلامية، اذ يصعب على الانسان التخفي، وراء المواقف الزائفة، فترة زمنية طويلة، فمهما حاول لبس القناع، لاخفاء القناعات الذاتية، فانه سيقع فريسة سهلة في الافخاخ، التي تنصب في الطريق، خصوصا وان الكلمات او التعبيرات، تمثل احد الوسائل للتعرف، على المواقف الحقيقية، بمعنى اخر، فان الممارسة الدبلوماسية، في التلاعب بالكلمات ستتلاشى، بطريقة او باخرى، «مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ».

المواقف الحياتية، او المصيرية، تختلف من شخص لاخر، واحيانا من مجتمع لنظيره، فالتركيبة الشخصية للمرء، تمثل احد العوامل الاساسية، في القدرة على التصريح بالموقف، سواء كان معارضا او مؤيدا، لاسيما وان الظروف الاجتماعية، والاوضاع الاقتصادية، والمناخات السياسية، تعتبر عوامل ضاغطة، في اختيار الموقف، بمعنى اخر، فان الاعتقاد صوابية المبادئ، تحدد نوعية الموقف، فهناك قناعات ومبادئ تفرض على حاملها التضحية بالغالي والرخيص في سبيل نشرها في البيئة الاجتماعية، بحيث تتطلب تلقي السهام، المادية والمعنوية بصدر عاري، خصوصا وان المبادئ تحتاج مواقف شجاعة، لاحداث صدمة اجتماعية، لايقاظ المجتمع من السبات العميق.

من الصعب اطلاق التهم، والتخاذل، والجبن، على اصحاب المواقف المهادنة، والمتراضية مع الواقع الاجتماعي، خصوصا وان المواقف على اختلافه، ا مرتبطة بقناعات ومبررات، فالموقف المضاد، لا يعطي الطرف الاخر، الحق في الصاق التهم، في الطرف المقابل، ”اهل مكة ادرى بشعابها“، بمعنى اخر، فان الموقف سواء كانت متوافقا مع القناعات الذاتية، او مناقضا يتطلب التفهم، واحترام الاراء على اختلافها، فالانسان يما يتملك من قدرة على الاختيار، فانه يتحمل تبعات القرار المصيري، وبالتالي فان ”العبرة بالنهاية“، فالتاريخ سيقول كلمته الفصل، سواء طال الزمن او قصر.

التشنج في اتخاذ المواقف، على اختلافها، يتناقض تماما مع حرية الاختيار، التي منحها الخالق للانسان، وبالتالي فان اجبار الاخرين، على اختيار مسلك محدد، يضر المسيرة البشرية، ويعرقل الحركة التنويرية، ”اختلاف امتي رحمة“، ”لكم دينكم ولي دين“ و”لا اكراه في الدين“، فالبعض بما يمتلك من رؤية ضيقة، ومساحة محدودة في التفكير، فانه لا يرتضي الاراء المخالفة، سواء كانت في القضايا الحياتية، او الملفات الثقافية، ”قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ“.

كاتب صحفي