آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 1:36 م

ثقافة التذاكي

محمد أحمد التاروتي *

يتفاخر البعض بالقدرة الفائقة، على قلب الحقائق، وتوجيه الرأي العام، باتجاهات متعددة، من خلال امتلاكها الامكانيات، والمفردات القادرة، على اثارة الالتباس، وخلق حالة من الشك، في الطرف الاخر، على غرار حادثة الصحابي عمار بن ياسر ”تقتلك الفئة الباغية“، فقد استخدمها معاوية بن ابي سفيان، بطريقة ملتوية عبر ترديد ”قتله الذي اخرجه من منزله“، وكذلك الامر بالنسبة للخوارج، الذين رفعوا شعار ”لا حكم الا لله“ وهي ”كلمة حق يراد بها باطل“ كما قال الامام علي .

يدرك انصار التذاكي، ان استغفال المجتمع مرحلة مؤقتة، فالمواقف المتأرجحة سرعان ما تنكشف، مما يستدعي البحث الدائم، عن مبررات لاقناع الاخرين، الامر الذي يتمثل في انتهاج مواقف، بعضها متضاربة، واخرى متواقفة، مما يحدث حالة من الالتباس والارباك، لدى بعض الشرائح الاجتماعية، فالهدف من وراء الاختلافات الكبيرة في المواقف، احداث انقسامات في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان توحيد المواقف يشكل خطورة كبرى، على قدرة انصار ”التذاكي“، في استثمار الاحداث الاجتماعية، وتحقيق بعض المكاسب لاستخدامها، كرصيد في المرحلة القادمة، ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ.

عملية الانصياع للحق تتطلب شجاعة، وقدرة على تحمل المسؤولية، فهذه الفضيلة ليست متاحة للجميع، فالنفس البشرية تأبى الاعتراف بالخطأ، او الاقرار بصوابية الطرف الاخر، ”الاعتراف بالحق فضيلة“، لذا فان التملص من الحقائق الدامغة، ومحاولة الالتفاف على القرائن الناصعة، تمثل الوسيلة الفضلى لشريحة من المجتمع، حيث تحاول استخدام المفردات الفضاضة، للايجاد وسيلة للخروج من المأزق، فهذه النوعية من البشر لا تعدم الوسيلة، في ايجاد المخارج، للخروج من النفق المظلم.

التذاكي ممارسة مألوفة، لدى شرائح اجتماعية، حيث تتخذ من العبارات، والمواقف الملتبسة، وسيلة لركوب السفينة، فيما تكون اول الهاربين، بمجرد تعرض القارب للتيارات العنيفة، خصوصا وانها تمتلك القدرة على تبرير مواقفها الصادمة، سواء من خلال الحفاظ على المركب من الغرق، ومحاولة تخفيف الحمل، او من خلال النزول للبحث عن وسيلة نجاة، لجميع الركاب، وبالتالي فانها لا تعترف بحقيقة الهروب، وهو الخوف من الموت.

المصائب التي تجلبها ثقافة التذاكي، ليست خافية على الجميع، فهذه النوعية من الثقافة تحمل في طياتها، الخراب والدمار، للعديد من الفئات الاجتماعية، خصوصا وان حملة هذه الثقافة يستخدمون الاخرين، كوقود للوصول الى الاهداف المرحلية، او تحقيق المكاسب السياسية، بمعنى اخر، فان التضحية بالاخرين بمثابة وسيلة، دون النظر للعواقب المستقبلية، اذ تحاول تغذية النفوس، بعبارات هلامية او ملغومة، لتبرير مواقفها الخاطئة، الامر الذي يسهم في امتلاك زمام الامور، والبقاء ضمن الخط الاول في المواجهة.

تلعب الثقافة الاجتماعية، دورا مؤثرا في بروز ثقافة التذاكي، فالوعي الذي يمتلكه المجتمع، يشكل جدارا وحائلا، امام الاستغلال السلبي للقضايا، والملفات القائمة، اذ يحاول اصحاب الفكر المصلحي، الاستفادة من الظرف الزماني، والمكاني، لتحقيق الاهداف الذاتية، وبالتالي فان امتلاك الرؤية الصائبة من المجتمع، يفوت على تلك الاطراف الوصول، الى الاهداف المرسومة.

كاتب صحفي