آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 1:36 م

ثقافة الترفع

محمد أحمد التاروتي *

تختلف ردود الافعال، تجاه الممارسات الخاطئة، فالبعض غير قادر على امتصاص غضبه، الامر الذي يدفعه للاقدام، على اعمال غير متوقعة، او قد تخرج عن السيطرة، مما يفاقم من المشكلة، ويحدث شرخا كبيرا في جدار العلاقات الاجتماعية، فالسيطرة على الغضب، او التخلي ببرود الاعصاب، عوامل اساسية في تفويت الفرصة، على الطرف المقابل، والساعية لتحقيق بعض الاغراض، من وراء الاقدام على بعض الاعمال الخارجة، عن السياق الاخلاقي.

امتلاك شجاعة الترفع، تجاه الاساءة امر مطلوب، فاستخدام القوة في بعض الاحيان، لا يعكس الشجاعة، بقدر ما يترجم روح الانتقام، لاسيما وان الانسان بما يمتلك من ارادة قوية، بامكانه تحويل العدو الى حليف او صديق، ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، فالمرء بما يحمل من قيم اخلاقية، قادر على ايصال رسالته، من خلال الممارسة العملية، وليس بواسطة الخطب الرنانة، ”عند الامتحان يكرم المرء او يهان“.

القدرة على التجاهل، او محاولة التغافل، ليست متاحة للجميع، فهي مرتبطة بمجموعة الاخلاق، التي يحملها المرء، تجاه الطرف الاخر، كما ان امتصاص الغصب، مرتبط بالممارسة العملية، وتعويد النفس على مقابلة الاساءة بالعفو، اذ تمثل هذه الصفة الاخلاقية، عنصرا اساسيا، في اشاعة المحبة والسلام، في اركان المجتمع الواحد، فالتشاحن والبغضاء لا تولد سوى العداوة، والاحتراب في الكيان الواحد، بمعنى اخر، فان القدرة على التحكم بردة الفعل، تحيل العدو الى صديق، فالتحلي بالاخلاق الفاضلة، يشكل عامل استقطاب للعدو قبل الصديق.

الترفع لا يمثل ضعفا، او خوفا من الطرف الاخر، فالكثير من الاساءات، لا تستحق المقابلة بالمثل، خصوصا وان العنف لا يولد سوى العنف، وبالتالي، فان محاولة اطفاء الشرارة الاولى، اجدى من اشعال النيران، التي تأتي على الاخضر واليابس، فالحرائق بعد انتشارها يصعب اخمادها بالسهولة، بخلاف الشرارة الصغيرة، التي يسهل السيطرة عليها دون عناء، بمعنى اخر، ان محاولة الترفع عن مقابلة الاساءة، اجدى من محاولة الانتقام، لاسيما وان دائرة الانتقام قابلة للاتساع، لتشمل شرائح اجتماعية عديدة، مما يحدث انقساما كبيرا، مما يحيل المشكلة الفردية الى قنبلة اجتماعية عامة يصعب تجنبها.

اشاعة ثقافة الترفع، عامل اساسي، في تكريس بعض القيم الاخلاقية، فعملية تجفيف العداوة، مرتبط بامتلاك مزايا اخلاقية، خصوصا وان العناصر التي تبحث عن المشاكل، لا تحصد سوى الاعداء، بخلاف الاخرى التي تحرص على الابتعاد، عن الخلافات سواء الشخصية او الاجتماعية، فالاخيرة تمارس حياتها دون منغصات، او تكون مشاكلها اقل، من التي تبحث عن اثارة النعرات، على اختلافها، فالمجتمع الذي يضع اهدافها كبرى، لا يلتفت كثيرا لصغائر الامور، فالوقوف عند الصغائر، يعرقل مسيرته نحو الوصول للقمة، مما يجعله في مؤخرة الركب بالمقارنة، مع المجتمعات المتقدمة، لذا فان تبني المبدأ القرآني، في التعاطي مع الاساءات، على اختلافها يمثل عنصرا اساسيا، في السير قدما باتجاه الاهداف المرسومة، لذا فان تطبيق ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا يحدث فوارق كبيرة، على المدى القريب، والبعيد.

كاتب صحفي