آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 1:36 م

ثقافة العاطفة

محمد أحمد التاروتي *

العاطفة تمثل احد المشاعر، التي تتوزع على مختلف المخلوقات، فهي لا تقتصر على بني البشر، بل يمكن تلمسها بشكل واضح، لدى الحيوانات والطيور، حيث تتجلى تلك العاطفة، في الرعاية الكبرى في حماية وتغذية الصغار، والعمل الدؤوب لتأمين الغداء، منذ الولادة حتى الوصول لمرحلة النضوج، والاعتماد على الذات، بينما تستمر علاقة العاطفة، لدى البشر طوال الحياة.

التحكم في العاطفة، وعدم الانجرار وراءها، يمثل احد الوسائل، لعدم الوقوع في المشاكل، خصوصا وان الانسان يختلف عن بقية المخلوقات بالعقل، الذي يجعله قادرًا على وضع ضوابط، للسيطرة على منسوب العاطفة، بخلاف المخلوقات الأخرى، التي لا تمتلك العقل، وبالتالي عدم القدرة على ضبط مشاعر العاطفة، مما يتطلب وضع الأمور ضمن النسق المتعارف، بلا افراط او تفريط امر بالغ الأهمية.

النظرة العاطفية في التعاطي مع الأمور، ليست خاطئة، ولكنها في الوقت نفسه، ليست صائبة بالمطلق، اذ يمثل العقل ميزانا في تحديد نوعية العلاقة، دون طغيان طرف على اخر، فالتوازن امر مطلوب على الدوام، تفاديا لخروج الأمور عن السيطرة، وبالتالي القدرة على ضبط الإيقاعات في مختلف القضايا.

السير وراء العاطفة دون تحكيم العقل، جريمة في حق الذات أولا، وتجاه الآخرين ثانيا، فالتداعيات السلبية وراء اتخاذ القرار الخاطئ، المنطلق من الميول العاطفية، لا تقتصر على الشخص نفسه، بل تشمل في أحيان كثيرة البيئة القريبة، مما يجعل الجميع في مواقف صعبة، الامر الذي يتطلب إعادة التخطيط، بما يسهم في تصحيح الأوضاع المعوجة، بمعنى اخر، فان القرارات التي تستند الى الانفعالا، ت او المبنية على العواطف، دون اللجوء للعقل، او عقول الآخرين، تكون في أحيان عديدة مجانبة للصواب ”هلك من ليس له حكيم يرشده“.

تختلف مواقف البشر، باختلاف العواطف، التي تتحكم في اختيار الطريق، فهناك من يتخذ الروية مسلكا دائما قبل اتخاذ القرار، حيث يعمد لوضع جميع الخيارات، على نار هادئة، وتقليب الأمور من جميع الجوانب، للتعرف على المزايا الإيجابية، واكتشاف الأمور السلبية، الامر الذي ينتج مواقف باقل الخسائر، نظرا لاتخاذ كافة الاحتياطات، قبل الإفصاح عن تلك المواقف، سواء كانت قرارات فردية او اجتماعةا، فالعملية مرتبطة بالاستراتيجية، التي يتحرك من خلالها، في مختلف الظروف، وفي جميع القضايا.

فيما البعض الاخر، لا يترك خطا للرجعة على الاطلاق، اذ يعمد لتبني المواقف بصورة مرتجلة، او متسرعة، انطلاقا من ردود أفعال عاطفية، الامر الذي يضعه في الخانة الخاسرة على الدوام، نظرا لانتهاج سياسة قائمة على الانفعالات الوقتية، فالمواقف التي تتخذ في حالة الغضب، تكون بعيدة في الغالب عن العقلانية، وأحيانا تكون المواقف المتخذ، في حالة الفرح غير صائبة، خصوصا وان التفكير العقلاني، في حالة الغضب ينعدم لأدنى مستوى، مما يحول دون القدرة على رؤية الأمور بالشكل الصحيح.

عملية خلق توازن، بين العاطفة والعقل، في التعاطي مع القضايا، مرتبطة بكثير من العوامل سواء الداخلية او الخارجية، اذ تمثل القدرة على القراءة الدقيقة، للقضايا احد ابرز العوامل، للوصول الى القرار الصائب، كما ان التعرف على الطريقة المثلى، لمعالجة الأمور عامل اخر، خصوصا وان كل قضية تختلف ظروفها وأسبابها، عن القضية الأخرى، الامر يستدعي الدراسة الوافية، قبل الشروع في وضع الحلول، وفقا لميزان العقل والعاطفة في الوقت نفسه.

كاتب صحفي