آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 1:36 م

ثقافة البطل

محمد أحمد التاروتي *

البحث عن الشخصيات الخارقة، والأساطير في بُطُون الكتب، امر ملموس في المجتمعات، التي تعيش واقعا مهزوما، سواء على الصعيد العسكري، او الثقافي او الاقتصادي، اذ تعمد لتعويض النقص في مقارعة الامم المعاصرة، عبر التغني بالبطولات السالفة، فيما المجتمعات الأخرى تتحدث عن شخصيات معاصرة، استطاعت تحطيم كافة الحوافز، وحجز مكان متقدم في صفحات التاريخ.

اجترار قصص البطولة، من الشخصيات التاريخية، ومحاولة نسج سيناريوهات متعددة، لتلك الشخصيات، يهدف للتسلية من جانب، ومن جانب اخر كاعتراف بالفشل، في ولادة شخصيات قادرة على احتلال المكانة، التي احتلتها في صفحات التاريخ، لذا فان البعض لا يفتأ يكرر قصص عنترة بن شداد، وكذلك بعض الشخصيات الإسلامية، التي فرضت نفسها، كواقع في ذاكرة الأمة الإسلامية والعربية.

يلاحظ المراقب تركيز الاعلام العربي، على سيفونية صلاح الدين الأيوبي، في الصراع العربي - الإسرائيلي، مما يمثل عجزا واضحا لدى العالم العربي، في القدرة على استرداد الأرض العربية المغتصبة، مما يدفع العرب لمحاولة تسلية الذات بأحلام اليقظة، بتكرار بطولات صلاح الدين الأيوبي، في الحرب الصليبية، وتحرير القدس بعد عقود، من الاحتلال الصليبي.

المجتمعات المهزومة، تحاول التغلب على النقص الداخلي، عبر استذكار الرموز التاريخية، فالضعف الداخلي الذي تشعر به تلك المجتمعات، مرتبط بعدم تقديم منجزات يشار لها بالبنان، بما يعود على البشرية بالفائدة، فيما الشعوب الأخرى تتحرك بخطط مدروسة، لكتابة تاريخها من خلال الإنجازات العديدة، سواء العلمية او الثقافية، مما يجعلها في مقدمة الركب على الدوام.

القرآن الكريم، يتحدث بشكل واضح عن المجتمعات، التي تتفاخر بالأمم السالفة، دون أخذ العبرة، او محاولة الاستفادة منها، بما يعود عليها بالخير، فالركون الى التاريخ، او التغني، بأمجاد الآخرين دون التحرك، او اتخاذها قدوة لشحذ الهمم امر مذموم، وغير محمود على الاطلاق، ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

ثقافة البطل سلاح ذو حدين، اذ تمثل وسيلة لإيقاظ المجتمع من السبات، ومحاولة نفض غبار الكسل، ومحاولة دراسة سيرة تلك الشخصيات، بمختلف جوانبها، واكتساب العبر، بما يحقق الهدف المرجو، من نشر هذه الثقافة، كما ان ثقافة البطل تكون وبالا على الأجيال، بمجرد اتخاذ موقف المتفرج والمصفق، دون محاولة وضع الشخصيات البطولية، على طاولة التشريح، وبالتالي، فان النظرة الى تلك الشخصيات، تحدد مسار المجتمعات، في الالية التي تتعاطى معها، الامر الذي يستدعي بث الثقافة الناقدة، والمسؤولة لاكتساب اكبر قدر، من المعارف من الشخصيات البطولية على اختلافها، خصوصا وان كتب التاريخ تحفل بآلاف الشخصيات البطولية، بيد ان مقدار الاستفادة من تلك الشخصيات، يختلف من بيئة اجتماعية لأخرى، فالبعض لا يعرف قيمة تلك الشخصيات، الا في مناسبات محدودة، فيما البعض الاخر يضعها، نصب الاعين على الدوام.

كاتب صحفي