آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 5:05 م

ثقافة الاستقواء

محمد أحمد التاروتي *

الشعور بالقوة والنفوذ، ليس مرتبط بوجود مقومات ذاتية، بقدرها ارتباطها بعوامل خارجية، فالبعض يبرز عضلاته في محيطه الاجتماعية، بمجرد الحصول على المنصب، او إبرام تحالف مع طرف يمتلك السطوة والنفوذ، الامر الذي ينعكس على مجمل تصرفاته الشخصية، اذ يتحول من شخص وديع الى شيطان رجيم، يكفر بجميع المبادئ التي يحملها، او ينادي بها في الفترة الماضية.

عملية الاستقواء نابعة من شعور ذاتي، بوجود حائط قوي يستند عليه، ويمتلك القدرة على اسكات جميع الأصوات المعارضة، فهذا الشعور يمثل الشرارة الاولى، نحو بروز مثل هذه الثقافة، في سلوكيات البعض، حيث تترجم على شكل قرارات صادمة، وغير مألوفة على الاطلاق، انطلاقا من قاعدة ﴿أنا ربكم الأعلى، اذ يحاول الاستفادة من القوة الخارجية في بسط النفوذ في المحيط الاجتماعي، مما يعتبر بداية الطلاق مع البيئة المقربة في البداية، بحيث تتسع عملية الطلاق البائن، مع المحيط الاجتماعي الكبير.

الشعور بالضعف الداخلي، ومحاولة الظهور بمظهر القوة، تدفع البعض لانتهاج طريقة خاطئة، من خلال كشف جميع الأوراق، للطرف القوي في سبيل اكتساب القوة، خصوصا وان الأطراف القوية لا تقدم الحماية بالمجان، اذ تعمد لاستغلال الحاجة، عبر فرض المزيد من الاشتراطات، وسلب إرادة الطرف الضعيف، من خلال اجبار الطرف الضعيف، على تقديم المزيد من التنازلات، مما يجعله غير قادر على الخروج، من الدائرة التي حشر نفسه فيها، حيث تحفل العديد من التحالفات المبرمة، بين الأطراف القوية والضعيفة ببنود مجحفة، فالقوي يفرض شروطه في الغالب على الضعيف، مما ينتج سلبه قراره الذاتي، وإجباره على السير في فلكه على الدوام، اذ يحاول القوي تغطية سياسته المجحفة، بتقديم الغطاء السياسي والعسكري، للطرف الضعيف، سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي.

البحث عن التحالفات الداخلية والخارجية، عملية مباحة في ذاتها، بيد انها تصبح وبالا كبيرا، ومصيبة كبرى، بمجردها استخدامها بطريقة خاطئة، وعصا غليظة تجاه الأصوات المخالفة، بينما تكون ضرورة ملحة للدفاع عن الاخطار الخارجية، فالتماسك الداخلي وتدعيم الجبهة الداخلية، مطلب أساس لصد جميع محاولات الأعداء، لشن الحروب العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، كما ان التحالف مع الخارج لتشكيل جبهة عريضة لرد أطماع الآخرين، امر مطلوب في بعض الأحيان، خصوصا الضعيف يصبح لقمة سائغة لدى الأطراف القوية، بخلاف الطرف القوي فانه يبقى بعيدا عن الاطماع بشكل عام.

الاستقواء على المحيط الداخلي، سواء بالاعتماد على الطرف الداخلي، الذي يمتلك السلطة والنفوذ، او الاستناد على الطرف الخارجي، تكون نتائجه قصيرة المدى، فالمصالح تمثل المعيار، في ديمومة تلك التحالفات من عدمها، بمعنى اخر، فان الطرف القوي يعمد للاستغناء عن الضعيف، بمجرد احتراق ورقته، من اجل البحث عن ورقة أخرى رابحة، وقادرة على تحقيق جزء من مصالحه في مختلف المجالات.

التاريخ يحفل بالكثير من تجارب الاستقواء، اذ يحاول البعض تعويض فقدان القاعدة الشعبية المناصرة، بالاستعانة بالآخر في فرض النفوذ وبسط السيطرة، وذلك لقطع الطريق امام التحركات الداخلية، لإيجاد مخرج وانفراج لإنهاء الأزمة، بالطرق السلمية او السياسية، خصوصا وان الضعيف يعتبر كل تحرك خطر داهم، يستوجب القضاء عليه في مهده، مما يستدعي التوجه للخارج للحصول على القوة، وقهر الأصوات الصادقة، التي تنطلق من المصلح العامة.

كاتب صحفي