آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 1:36 م

الامام علي.. دستور الحرب

محمد أحمد التاروتي *

وضع الانسان اخلاقيات خاصة، بالحروب على مر التاريخ، نظرا لاختلافها عن الظروف الاعتيادية، مما يفرض وضع قواعد، تتلائم مع الحالة الاستثنائية، سواء خلال المعركة القتالية، او في الفترات التي تسبق، اندلاع الشرارة الاولى للقتال، حيث يحاول كل طرف استخدام الحيل، وممارسة التنكيل بالطرف المعادي، واظهار القسوة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

الالتزام باخلاقيات الحروب، عملية ليست متاحة للجميع، خصوصا وان المعارك تفرض ردود افعال متباينة، مما يجعل البعض يمارس شتى انواع الانتقام، والتنكيل اثناء القتال، ويستمر في اراقة الدماء حتى بعد ان تضع الحرب اوزارها، اذ يحاول الطرف المنتصر، التجهيز على المصاب، والقضاء على الاسرى، وغيرها من الممارسات الفظيعة، التي سجلها التاريخ القديم، والحديث على حد سواء.

الحديث عن اخلاقيات الحروب، يتردد على السنة جميع الجيوش، بيد ان عملية الالتزام، تكون متواضعة للغاية، نظرا لمحاولة كل طرف فرض ارادته، على الطرف المقابل، مما يدفعه للتحلل من جميع الاخلاقيات، والمبادئ الانسانية، فالبعض لا يتورع عن استخدام الاسلحة المحرمة، او غير المألوفة على الاطلاق، حيث يحاول مفاجأة العدو بسلاح خطير، يسهم في حسم المعركة بشكل سريع.

في ذكرى ولادة الامام علي ، تلوح في الافق مجموعات الاخلاقيات، التي سطرها في جميع الحروب، سواء التي خاضها مع الرسول ﷺ، او تلك فرضت عليه ابان توليه الخلافة، فالاخلاق التي حملها منذ المعركة الاولى، ”بدر“ والحروب الاخيرة ”الجمل - النهروان - صفين“، - تلك الاخلاق - لم تتبدل قيد انملة على الاطلاق، فالمبادئ الذي حملها وهو جندي، يقاتل بين يدي نبى الرحمة ﷺ، بقي يدافع عنها اثناء استلامه زمام الخلافة.

التاريخ يتحدث عن الموقف الاخلاقي، غير المعهود خلال النزال مع عمرو بن ود، في معركة الخندق، حيث عمد للابتعاد عن الخصم، لامتصاص حالة الانتقام، بعد ان بصق عمرو بن ود في وجه الامام علي ، اذ حرص على اخلاص النية في قتل العدو، كما عزف عن سلبه، فجاءت أخته حتى قامت عليه، فلما رأته غير مسلوب سلبه، قالت: ما قتله إلا كفؤ كريم.

وفي معركة خبير، برزت اخلاقيات الحرب لدى الامام علي ، من خلال احترام العدو ”مرحب“، فهو لم يقم بالتنكيل او ممارسة المثلى بعد الانتصار عليه، في المبارزة الحامية، التي دارت بين الطرفين، فمبدأ التشفي او الانتقام ليس واردا، في قاموس الامام علي بن ابي طالب الحربي، فالاخلاق سلة واحدة لا تتجزأ، سواء في اوقات السلم، او ابان الحرب، وبالتالي فان المبادئ، تبقى قائمة في احلك الظروف.

كما ينقل المؤرخون في كتب السيرة، موقف امام المتقين في معركة صفين، العزوف عن الاجهاز على عمرو بن العاص، بعد المبارزة التي انتهت بسقوط الاخير، مما دفعه لابتكار طريقة جديدة للهروب من الموت، اذ قام بكشف ما يجب ستره، الامر الذي دفع الامام علي ، لتحاشي النظر لما حرم الله.

كاتب صحفي