آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 1:36 م

ثقافة الدعوة

محمد أحمد التاروتي *

امتلاك المقومات الذاتية، والقدرة على التعاطي مع الاخر، بالاضافة الى اختيار الاسلوب، والطريقة المناسبة، عوامل اساسية في استقطاب الاخرين، ”فاقد الشيء لا يعطيه“ كما يقال، فما فائدة حصيلة وافرة من المعلومات، وثقافة عالية، دون وجود لسان قادر على ايصالها ”تكلموا تعرفوا فان المرء مخبوء تحت لسانه“، كما ان وجود فصاحة، وطلاقة في الكلام، دون امتلاك العناصر الذاتية، لا يعني شيئا على الاطلاق.

انتهاج طريق الدعوة، يتطلب توافر جميع العناصر مجتمعة، باعتبارها لبنات تدعم الواحدة الاخرى، اذ لا جدوى من وجود عنصر، مع الافتقار للاخر، فالعملية تكاملية وليست تنافسية، بمعنى اخر، فان الرغبة في نشر القناعات الشخصية، في جميع المجالات، ليست كافية لتحقيق الهدف، مما يتطلب التحرك الجاد لتوفير المناخات الداعمة، لاختراق الطرف الاخر، فالابهار وسحر البيان، لا يمثل سوى عنصرا واحدا، خصوصا وان فن الكلام سرعان، ما يفقد بريقه بعد فترة زمنية، مما يستدعي التحرك، لتوفير العنصر الثاني القادر على الاستقطاب، وتفويت الفرصة على الاخر، لسحب البساط من تحت الاقدام.

الدعوة ليست مرتبطة، بمشروع ديني حصرا، اذ تدخل في مختلف المجالات، سواء الاقتصادية، او السياسية، او الثقافية، حيث يحاول ارباب تلك المشاريع، وضع البرامج الخاصة، والكوادر البشرية المؤهلة، للنهوض بتحقيق الاهداف المرجوة، من اطلاق تلك المشاريع، حيث تمثل الحملات الاعلامية الضخمة، التي ترصد لها الملايين، جانبا واحدا من الجوانب المتعددة، فالدوائر المتخصصة تحرص، على دراسة كافة الاحتمالات، ومحاولة الوقوف على العناصر المؤثرة، قبل الشروع في عملية الترويج، او اعلان ساعة الصفر.

ولعل ابرز المقومات الذاتية للداعية، تتمثل في امتلاك الصبر، وامتصاص ردات الفعل العنيفة، فالاخلاق بمثابة جواز السفر، للدخول الى قلوب الاخرين، ”انكم لن تسعوا الناس باموالكم فسعوهم باخلاقكم“ و”كونوا دعاة لنا بغير السنتكم“، فالقدرة على ضبط النفس في التعاطي، مع الاخرين امر مطلوب، في مختلف الظروف، سواء فيما يتعلق بحالات الرفض المباشرة، او استخدام العنف ”اللفطي - الجسدي“، انطلاقا من قاعدة ”الدين المعاملة“، حيث يستطيع المرء تحقيق اختراقات كبرى، جراء العشرة الحسنة، مع الطرف الاخر.

حالات النفور، او ردات الفعل السلبية، مرتبطة في بعض الاحيان بافعال الدعاة، فالممارسات العملية، تشكل احد العوامل الاساسية، وراء الاستقطاب احيانا، والنفور احيانا اخرى، اذ يكون الدعاة محط انظار الجميع، بحيث تصبح جميع تحركاته مقياسا، وترجمة للمبادئ، التي يدعو لها، الامر الذي يتطلب تطابق الاقوال مع الافعال، لمواصلة الاستقطاب في الكيان الاجتماعي.

لا ريب ان القابلية الاجتماعية، تمثل احد العناصر الاساسية، وراء تقبل، او رفض المشاريع على اختلافها، فهناك بيئات اجتماعية تقف بالمرصاد، لكافة المشاريع الاصلاحية او الدعوية، الامر الذي ينعكس على شكل صعوبة، في اختراق السور الاجتماعي، ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ، بمعنى اخر، فان الارضية الرافضة، تحول دون تحقيق المراد، مما يتطلب ايجاد طرق بديلة قادرة، على تغيير النظرة السلبية، واحداث تحول ايجابي، يكون بمثابة مرحلة فاصلة، في مسيرة المجتمع.

كاتب صحفي