آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 12:27 ص

العقل هو الحجة

الشيخ حسين المصطفى

سأل أحد أئمة اللغة، وهو يعقوب بن إسحاق بن السكيت «ت 244 هـ »، الإمام علي بن محمد الهادي : لِمَاذَا بَعَثَ اللهُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ بِالْعَصَا وَيَدِهِ الْبَيْضَاءِ وَآلَةِ السِّحْرِ، وَبَعَثَ عِيسَى بِآلَةِ الطِّبِّ، وَبَعَثَ مُحَمَّداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ - بِالْكَلَامِ وَالْخُطَبِ؟

فأجابه الإمام الهادي قائلاً: إِنَّ اللهَ لَمَّا بَعَثَ مُوسَى كَانَ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ عَصْرِهِ السِّحْرَ، فَأَتَاهُمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِمْ مِثْلُهُ، وَمَا أَبْطَلَ بِهِ سِحْرَهُمْ، وَأَثْبَتَ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ؛ وَإِنَّ اللهَ بَعَثَ عِيسَى فِي وَقْتٍ قَدْ ظَهَرَتْ فِيهِ الزَّمَانَاتُ «الأمراض»، وَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى الطِّبِّ، فَأَتَاهُمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِثْلُهُ، وَبِمَا أَحْيَا لَهُمُ الْمَوْتَى وَأَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِ اللهِ، وَأَثْبَتَ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ؛ وَإِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً ﷺ فِي وَقْتٍ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ عَصْرِهِ الْخُطَبَ وَالْكَلَامَ - وَأَظُنُّهُ قَالَ: الشِّعْرَ - فَأَتَاهُمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنْ مَوَاعِظِهِ وَحِكَمِهِ مَا أَبْطَلَ بِهِ قَوْلَهُمْ، وَأَثْبَتَ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ.

فسأله ابن السِّكِّيت: فَمَا الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ الْيَوْمَ؟!

فأجابه : الْعَقْلُ؛ يَعْرَفُ بِهِ الصَّادِقَ عَلَى اللهِ فَيُصَدِّقُهُ، وَالْكَاذِبَ عَلَى اللهِ فَيُكَذِّبُهُ.

العقل هو حجةٌ مِن الله على الناس.

فإذا أردت أن تؤكد مرجعية «نص» من النصوص فعليك أن تدرسه دراسة تعقل؛ لأنك لا تستطيع أن ترتبط بأيِّ نص من دون وعي!!

وهو شعار القرآن وشعار الأنبياء، وشعار أتباعهم، ويجب علينا - كأتباع لهذه الديانات - أن لا نتحرك في حياتنا في خطِّ غرائزنا وعواطفنا، بل نتحرك من خلال عقولهنا، ف ”لَا يَغُشُّ الْعَقْلُ مَنِ اسْتَنْصَحَهُ“.

واعتبر الشريف المرتضى أنَّ دليل العقل ليس فيه «احتمال ومجاز وتأويل»، خلافاً للنص، ومن ثم لا بدَّ من صرف كلِّ ظاهر للنص بما يوافق دليل العقل «أمالي الشريف المرتضى: ج 2 ص 125 - 126».

وأضاف قائلاً: ”رددنا كلَّ مشتبه من آيات وغيرها إلى أدلة العقول لأنها أصل“ «رسائل الشريف المرتضى: ج 2 ص 56».

وهو نفس ما قرَّره تلميذه الشيخ الطوسي، إذ أكدَّ هذا المعنى وهو أنَّ ظواهر النصوص تبنى على أدلة العقول لا العكس، وبالتالي لا بدَّ من تأويل هذه الظواهر عند معارضتها للعقل «الاقتصاد في الاعتقاد: ص 162؛ الرسائل العشر: ص 325».

وهكذا نقف أيضاً على قاعدة عامة في الحياة: إذا أردت أن تؤكد مرجعية «شخص» فكرياً وثقافياً ودينياً، فإنّ عليك أن تدرسه؛ لأنَّك لا تستطيع أن ترتبط بأيِّ إنسان باسم الله، إلا بعد أن تدرس كل عناصر شخصيته..

إنَّ مجتمعاتنا ضائعة في مسألة القيادة، كما أنَّ الذهنية البدوية والقبلية والعشائرية والعصبوية، هي التي تحدد موقفنا من الأشخاص سلباً أو إيجاباً.

وقد أوصى الإمام علي بن أبي طالب تلميذه عبد الله بن عباس فقال: ”فَلا يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ فِي نَفْسِكَ مِنْ دُنْيَاكَ بُلُوغُ لَذَّةٍ أَوْ شِفَاءُ غَيْظٍ وَلَكِنْ إِطْفَاءُ بَاطِلٍ وَإِحْيَاءُ حَقٍّ“.