آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 1:36 م

ثقافة الضمير

محمد أحمد التاروتي *

يشكل الضمير الحي بوصلة، لتحديد الطريق الصواب على الدوام، بحيث يمنع من الأقدام على ممارسات خاطئة، سواء علي الصعيد الفردي او الاجتماعي، فيما الضمير الميت يلعب دورا في تدمير الذات، والمحيط الاجتماعي، واحيانا يهلك الحرث والنسل، ﴿وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، الامر الذي يفسر الاختلافات في الممارسات اليومية، بين البشر على وجه الكرة الارضيّة.

الضمير الحي يعيش مع المرء طوال الحياة، فهو يمارس دوره الإيجابي على الدوام، في وضع الخطوط الحمراء للحيلولة، دون الأقدام على ما يضر النفس، وكذلك المجتمع، بيد ان الاختلاف يكمن في القدرة، على الاستجابة للنداءات الصادقة، التي يطلقها الضمير سواء قبل الشروع، في الاعمال الخاطئة، او أثناءها، او بعد ارتكابها، فالبعض لا يلتف لتلك النداءات، ويطلق العنان للنفس الامارة بالسوء، لتقوده الى حتفه، او الجنوح الى الاعمال السيئة، الامر الذي يدفعه للانغماس في تلك التصرفات.

الفطرة النقية تستجيب لنداء الضمير الحي، خصوصا والاعمال التي ترفضها ”النفس اللوامة“، تصب في مصلحة الذات، فالضمير الحي يقف بالمرصاد امام ارتكاب الممارسات، غير الأخلاقية مثل السرقة، والتعدي على الاخر، وغيرها من الأفعال السيئة، بمعنى اخر، فان مثل هذه الممارسات الفاضلة، لا يختلف عليها البشر في مختلف أنحاء العالم، سواء المتدين او غير المتدين، خصوصا والفطرة السليمة، تحض على هذه النوعية، من الأخلاق الحميدة.

المجازر التي ترتكب بحق الأبرياء، وظلم الانسان لاخيه، سواء بسبب الاطماع الدنيوية، او غيرها من الأسباب، تعكس الأزمة الحقيقية في ضمير الإنسانية جمعاء، فالاختلاف في العرق او الجنس او الدين، لا يبرر تلك المجازر على الاطلاق، فقد سجل التاريخ عمليات قتل جماعية، لأسباب بعضها على خلفية سياسية، والبعض الاخر بمبررات دينية، اذ يكفي تقليب صفحات التاريخ، للوقوف على انهر الدماء، التي سالت على مختلف بقاع العالم، خلال القرون السالفة، وكذلك في العصر الحديث.

تلعب التعاليم الدينية، دورا كبيرا في حث البشر، على الاستجابة للضمير الحي، ومقاومة النفس الامارة بالسوء، خصوصا وان الانقياد وراء الاهواء والشهوات، يؤدي الى هلاك المرء، في الدنيا قبل الاخر ”أعدى الأعداء نفسك التي بين جنبيك“ و”أعلموا أنّ الجهاد الأكبر جهادُ النّفس“، بمعنى اخر، فان إصلاح الذات، وتحريك الضمير الحي، بالاتجاه السليم يتمثل في مخالفة النفس، وعدم الاستسلام والمغريات، التي تقدمها للسيطرة على صاحبها،”حاربوا هذه القلوب فإنَّها سريعة العثار“ . و”غاية المجاهدة أنْ يجاهد المرءُ نفسَهُ“.

كاتب صحفي