آخر تحديث: 6 / 5 / 2024م - 3:36 ص

قصة واقعية

الوظائف اللاحقة

علي فؤاد الحواج

تتميز الأنظمة الحيوية معقدة التركيب بعديدات الخلايا بأن أعضاءها وتراكيبها عموما لا تقوم بمهمة واحدة فحسب، بل تخدم عدة وظائف في آن واحد. وإن كانت الوظيفة تأتي برتبة أقل في الأولوية بالاتزان الحيوي والعيش، فإنها تتسم بأنها وظيفة ثانوية أو لاحقة.

إن أخذنا الثديات على سبيل المثال، فإن لأعضاء عدة وظائف غدية ثانوية، فالقلب يسعى بشكل أساسي لتوفير التورية الدموية عبر الانقباض الميكانيكي وتحوير الدم عبر الدورتين الدمويتين، ومن وظائفه الثانوية إفراز هرمون «الببتيد الأذيني المدر للصوديوم» الذي يقلل من مستوى الصوديوم بالجسم وما له من تبعات. ومثال آخر الجلد بتفعيله فيتامين د.

أما الآن فلننتقل إلى صاحبنا الطالب المسكين، فقد كان يعمل على حاسوبه منهمكا ومشغولا عما حوله كعادته، إلى أن ظهر أمامه عنكبوت أسود ذو بدن دائري صغير وأرجل رفيعة طويلة تبعث على القشعريرة، متسلقا الجدار بكل بجاحة أمامه. ما كان من الطالب المغوار إلا أن يفر من كرسيه اشمئزازا. تنهد، من ثم أخذ يتلفت يمنة ويسرة بحثا عن سلاح للإعدام سريعا قبل اختفائه. مد يده إلى مكتبته المجاورة له فأمسك بكتاب طب الباطنة لديفدسون «بصفحاته المتجاوزة الألف» لصفع المخلوق. لكنه توقف بعد أن هم بضربه وأخذ يترنح ليرجع الكتاب احتراما وتقديرا لوزن الفراشة الذي ينتمي إليه، ولمكانته العلمية في النفس. لكنه مع هذا لم ينس العدو خلفه، فأخذ ما جاوره من كتاب دون تفكير لهتك دم ذلك المفصلي. لكنه توقف بعد أن هم بضربه ليجد أنه كتاب طب العيون الذي كان يدرس منه شهرها، فتوجه ببطئ مجددا لإرجاع الكتاب إلى مكانه.

وقف طالبنا امام المكتبة آخذا نفسا عميقا، فأخذت نظراته بالقفز من عنوان إلى آخر بحثا عن السلاح الأمثل، فقد كان عقله يشير عليه بأن يقيم الحد على كتاب ليس ذا قيمة عالية لألا يجتاحه الندم، وأنْ يكون خفيفا رشيقا ليباغت به العدو بضربة قاضية. طال النظر والتمعن إلى أن وقع الاختيار على كتاب المصطلحات الطبية للبروفيسور عبد الحميد لطفي «الذي آمل من ربي ألا يقرأ كلماتي هذه»، فأمسكه رغم وزنه الثقيل نسبيا، ومشى على أطراف أصابعه ثم صرخ: «لعنك الله!»، ومن ثم أحال العنكبوت من سطح ثلاثي الأبعاد من على الجدار إلى آخر ثنائي الأبعاد على كتاب البروفيسور. ما أحسنها من وظيفة لاحقة لهذا الكتاب.