آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

يعطيك العافية..

عقيلة آل حريز *

جهد المقل ”يعطيك العافية“.. حقيقة نحن نفتقد للتهذيب في التواصل الاجتماعي بيننا، ونعجز عن تقدير جهود بعضنا، ونسرف جدا في الاستخفاف بها وكأنها قيد يثقلنا الاعتراف به..

ثقافة الشكر ثقافة عالية رُبي عليها كثيرون في المجتمعات المتحضرة لذا نجدهم يشعرون بالإمتنان البالغ لمجرد خدمة بسيطة وسهلة قد نؤديها لهم بصورة عابرة أو سريعة أو حتى غير مقصودة، نراهم يحملون كلمات الشكر والامتنان على عاتقهم ويجازونا بالعافية في قولهم ”يعطيكم العافية“ بمجاز معناها المتعارف عليه..

بينما نحن نستسهل أو نستخف بأن لا نقول كلمة شكرا على خدمة تقدم لنا، أو تمر بنا من جهد وتعب صاحبها.. استنقاصا أو استصغار واستعلاء أحيانا..

إضافة لذلك نعاني كثيرا في طرح ما لدينا باسلوب فظ للغاية، سواء كنا محقين أم مخطئين.. كمن نجهل المقدمات لنطرح فكرتنا أو تحفظاتنا أو تعليقاتنا وظنوننا، فثقافة الإسلوب تبدو كشبه معدومة عندنا وكأننا قادمين من مجاهل الغابات..

باختصار نكون جدا صاعقين في توجيه ملاحظة أو نقد ما، أو حتى ظن يخالجنا، وما أكثر الفتن التي منشأها الظنون بيننا..!

وحين ننتقد بعض الأمور التي هي من وجهة نظرنا حقيقية، لكننا للأسف نفتقر للإسلوب الجيد في طرحها.. كأن ننتقد وضع أو تصرف معين قد لا يناسب فكرنا ولا توجهاتنا، ومع هذا نعجز عن ذكر مجهود الشخص ومحاولته الفعلية في انجازه بثناء بسيط، قد يوصل له رأينا ويلطف أجواء النقد والتشاحن الحاصل.. فنبدأ معه بهجوم أو انتقاد بصورة مباشرة دون حتى ”مرحبا، أو يعطيك العافية“

ولهذا بالضبط تكثر الخصومات، وتزداد المشاحنات ثقلا، وتتعكر الأجواء، وتزداد الحِدة في التعامل بيننا..

بالمطلق، لا أحد على صواب تام في هذا العالم، كما لا أحد على خطأ تماما أيضا، والأمور نسبية دوما في غالبها، فلماذا نتشنج للفكرة التي تقول بمفادها ”أنا وحدي الأصح.. وما بعدي كلهم طلاء زائف!!“

الطرح وباسلوب مهذب وراقي لن يسيء لنا، ولن ينتقص من رأينا، ولن ينقص من فكرتنا شيئا بالمرة، أو حتى بالدرجة المتصورة.. إنما على العكس تماما، سيخلق نوع من الود والحميمية في التعامل بيننا، ولعله يوصل رسالتنا بطريقة أفضل. بل، ولافتة تكسب ود الجميع..

مشكلتنا تكمن بالتشنج في التعاطي مع الآخرين واصدار الأحكام المسبقة بلا تحقق أو اعطاء فرصة لنتبين العكس تماما عن ظنونا فيهم، والكل مبرأ ويدعي الصحة حسب مدرسة رأيه، متغافلا عن كون الناس مشارب وأطوار وكذلك تخصصات ينتمون إليها، ومن الطبيعي بحال من الأحوال أن يكون هناك ثمة اختلاف بين الناس..

لكن المشكلة ليست في الوقوف عند هذا الحد وإنما تجاوزها بالغمز واللمز والعداء المعلن، والطرح السيء للفكرة أو حتى باسلوب التوجيه المفتقر للطافة الطبع والدماثة بين الناس، مما يسبب بالأخير خلق الضغينة واحداث الفجوات فيما بينهم.

الحياة بمجملها ليست جهاز معقد يخضع الناس في التعاملات بينهم لمنطقه وآليته وبرمجته أيا كانت، وليست عشوائية بلا ضوابط أيضا.. إنما هي خليط متشابك، قد يكون معقد ومتشعب ومتداخل، وأيضا متجانس من كل هذه الأمور التي تصنع عالم الإنسان منا.. والذي هو مضطر فيه أحيانا وكثيرة للتنازل عن بعض التعقيدات والممارسات ليعيش في بيئة صحيحة، متعافية بعيدة عن الاجحافات المتكررة المستهلكة والتي تستنفذه في الأخير على حساب رصيد إنسايته المفترض به أن يعيشها.

واقعا نحن مرتبكون مع حالات كثيرة تقابلنا كل يوم، ومضطرون للتعامل معها.. تحت مسميات عدة وبشخصيات مختلفة، في أماكن عمل أو حياة، ومواقف كثيرة تتداخل معنا، نتجاوزها أحيانا بلطف، وأحيانا بعراك دائم، وأخرى بتجاهل كثير نبذله لنمرر وجودنا في هذه الحياة بالطريقة الأسلم في التقاطع معهم، لكننا نجدها تبدو شخصيات مستفزة غالبا لنفسها في عالمها قبل عالم غيرها.. لكونها تحمل تناقضات صعبة القبول كمنطق.. وصعبة المراجعة لذاتها، وأيضا صعبة التأقلم مع كل جديد يطرأ عليها..

”يعطيك العافية“ مقدمة سهلة وميسرة ولطيفة.. ويمكننا اعتبارها مدخل جيد حتى لطرح النقد القاسي، إن أحسنا صرفها في حديثنا، وبعدها لكل خياره، إما الإصغاء للطرح بصدق وتكيف، أو العناد وممارسة التمادي والعداء الذي هو مآل طبيعي لكثير من قضايا التقاطع في عالمنا..!

قاصة وأديبة وصحفية سعودية «القطيف»