آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

«المَقَاصِفُ» المدرسية، الواقعُ المُتَرَهّل

ليالي الفرج * صحيفة الرأي السعودي

تقتضي بعضُ الإشكالاتِ الدقيقةِ فَحْصَاً تحتَ مِجْهرٍ عاديّ، فيما تتطلبُ أمورٌ أخرى مَجَاهِرَ إلكترونية فائقة التكبير، وفي ذلك جَهْدٌ مَلحوظٌ وعَملٌ قد يكونُ طويلاً، ولأنّ الشَّجَا يَبْعَثُ الشَّجا كما يقول الشاعر، فإنّ وضعَ بعض «المقاصِفِ» المدرسيّةِ لدينا، باتَ من الوضوحِ، إلى أنّ صار مَحَلَّ اتّفاقِ غالبيةِ الناسِ، دونَ الحاجة ِلأيّ مِجْهَر!

الأغذيةُ ذاتِ الدُّهونِ المُشْبَعة، والسُّعْرَاتِ الحرارية العالية، فاقمتْ نسبةِ البَدَانةِ بين طلابِ وطالباتِ مدارس التعليمِ العام، ومعَ قِلّةِ النّشاطِ الحركي لدى أطفال ويافعي المجتمع الحديث، نظراً لتحوّل ألعابِ الأنشطةِ البدنية، التي كانت تملأُ معظمَ أجزاء الوقت الحرّ، إلى صناديقَ ممتلئة بأقراصِ الألعاب الإلكترونية التي تختطفُ أوقاتِ الصغار والكبار من الفئاتِ العمرية، ومُجْمَلُ ذلك يستلبُ وَعيَ هذهِ الوجوه النَّضِرَة، ويَتَسّلَطُ على حَرَكَتِها.

إنّ التغذيةَ الآمنةَ لها علاقةٌ مباشَرَةً مع مستوى التحصيلِ التعليمي، كما تؤيدُ ذلكَ مجموعةٌ من الدراسات، وفي البلدان المتقدمة التي تحرزُ المراكزَ الأولى سنوياً بين بلدان العالم ذات التفوق في التعليم العام، يأخذُ واقعُ التغذيةِ المدرسيةِ الناجح، حيث تُقَدّمُ في بعض تلكَ البلدان مجانًا، وفي بعضها الآخر من خلال رسومٍ فصلية يسيرة، صورةً زاهيةً من خلال نوعية الغذاء الذي يتم الإشرافُ عليها من فُرَقِ اختصاصي التغذية، كما يتدفّقُ الطلاب والطالبات إلى قاعات تغذية ذات تجهيزات انسيابية مريحة، تتكافأ فيها الفرص، وتمنعُ التزاحم الذي يواجهُهُ الطلاب في مدارسِنا، وتتيحُ لفئات الأعمارِ المستجدة عنايةً خاصّة ورعايةً إشرافيه وذات محتوى إرشادي، كما تَبْرَعُ في العناية بذوي الاحتياجات الخاصة أو الحالات الصحية.

وعبر حديث قصيرٍ وسريعٍ، تعرفتُ عبر صفحتي «الفيسبوكية» على بعض الملاحظات التي تناولتها بعض الأخوات والإخوة وكذلك مسؤولي بعض المدارس، وكان لتفاعلهم الكريم سبباً في طرح هذه القضية كرأيٍ يتطلع إلى أن تكون التغذية المدرسية في مدارسنا ليس سليمة المحتوى الغذائي فحسب، وإنما يأتي اليوم الذي نشاهد فيه مدارسنا وقد شملت ما عند مدارس البلدان المتقدمة، ابتداءً بالماء الصحي والغذاء المدرسي، والقاعة الغذائية، والآلية الانسيابية. لماذا لا تتحول فترة التغذية المدرسية إلى قيمة تربوية لها نفس المنزلة القيمية التي تحملُها أجزاء اليوم الدراسي؟

إنّ العصرَ الذي نعيشهُ هو عصرُ إبداعٍ بالنسبةِ للبلدانِ المتقدمة، فلماذا نتأخرُ في اللحاق بمجتمع المبدعين، ولدينا الطاقاتُ البشرية والإمكاناتُ المعرفية والمادية؟ الإجابة عن ذلك السّؤالَ تحتاجُ إلى خُطط عملية مبدعة يقودها مبدعون وليس أصحابُ شهاداتٍ فقط.

كاتبة رأي في صحيفة الشرق السعودية
شاعرة ومهتمة بترجمة بعض النصوص الأدبية العالمية إلى العربية ، ولها عدَّة بحوث في المجال التربوي.