آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 6:21 م

الراحة.. السعادة

محمد أحمد التاروتي *

ثمة علاقة مباشرة او غير مباشرة، بين الراحة النفسية والسعادة القلبية، فالمرء الذي يكابد الآلام والمشاكل النفسية، لا يشعر بالاستقرار الحياتي، مما ينعكس على نظرته للحياة بشكل عام، بحيث تنقلب الامور الى كابوس وجحيم، وبالتالي فان الشعور بالراحة مقدمة للحصول على السعادة في الغالب، وكذلك الارتقاء باتجاه النجاح المستمر.

الاستقرار النفسي تختلف تماما عن الراحة الجسدية، فالسعادة ليست مقرونة بتوفير اسباب الرفاهية للجسم، وعدم العمل في الظروف الصعبة، خصوصا وان العمل يشعر المرء بنوع من الاستقرار النفسي، نظرا لإحساسه بالمساهمة الفاعلة في البناء الشامل بالمجتمع، بالاضافة لكون العمل يعزز الشعور بالبناء الذاتي، بخلاف البطالة التي تولد حالة من النقص، جراء الافتقار للقدرة على توفير أسباب المعيشة بعيدا عن الاخرين، وبالتالي فان العمل مهما كانت صعوبته الجسدية، فانه ينعكس إيجابيا على الحالة النفسية، خصوصا وان الاتكالية تولد الشعور بالنقص، وعدم القدرة على امتلاك القرار الذاتي، في اختيار طريقة العيش في الحياةبعيدا عن الوصاية.

فالنظرة القاصرة تجاه امتلاك السعادة، عبر توفير اسباب الرفاهية المادية، اثبتت فشلها في تحقيق السعادة المطلوبة، لدى اصحاب الاموال في كثير من الاحيان، مما يعطي انطباعا بضرورة اعادة النظرة في هذه الفلسفة المقرونة بالغنى الفحش، لاسيما وان السعادة يمكن تحقيقها لدى شرائح، لا تمتلك من حطام الدنيا سوى العمل الصالح، والراحة النفسية، الامر الذي ينعكس على مجمل ممارسات هذه الشريحة، فيما اصحاب الاموال يتخبطون في كل الاتجاه لتحقيق السعادة بدون جدوى، نظرا لوجود حلقة مفقودة في سلسلة البحث عن السعادة الداخلية.

امتلاك الراحة النفسية، مرتبط بطريقة التعاطي مع الحياة، فالمرء الماسك بدفة الحياة يتملك القدرة، على توجيه الدفة بالاتجاهات الايجابية، والابتعاد عن التعلق بالتوافه عبر المساهمة الفاعلة، في الاعمال ذات الاثر العميق على النفس، ممايدفعه للتوجه صوب تقليل المشاكل، وتعظيم الاعمال الصالحة، باعتبارها عناصر اساسية في توفير الراحة النفسية، وبالتالي امتلاك القلوب في المحيط الاجتماعي، الامر الذي يسهم في خلق المناخات الملائمة، للأمساك بالسعادة الذاتية.

السعادة المرتبطة بالراحة النفسية، تلعب دورا محوريا، في تفعيل الدور الحيويلدى المرء، فالمرء الذي يعاني من مشاكل نفسية يكون دوره سلبيا في المجتمع، نظرالإحساسه بالكره تجاه البيئة الاجتماعية، مما يدفعه لاعتماد السلوك التخريبي، عوضا من المساهمة في البناء، بمعنى اخر، فان المشاكل النفسية تدفع للانغلاق اتجاه المجتمع، مما يحرم البيئة الاجتماعية من احد العناصر، في مواصلة مسيرةالنهوض، والبناء الشامل، وبالتالي فان التحرك باتجاه البناء مرتبط بوجود راحة نفسية، قادرة على تفجير الطاقة الايجابية، عوضا من استخدام الجانب السلبي، في التعاطي مع المجتمع.

الوصول الى السعادة عملية تراكمية ومستمرة، وليست حلقة منفصلة عن طريقة التعاطي مع الحياة، فالمرء يمثل المحور الأساس في خلق الظروف الملائمة، فيايجاد مناخات الراحة، وبالتالي التحرك التدريجي باتجاه السعادة الذاتية، بالاضافة لذلك فان المجتمع يلعب دورا أساسياً في ادخال البهجة والسرور، في نفوس الأفراد من خلال السلوك الاخلاقي، وسيطرة القيم الفاضلة، والابتعاد عن السلوك المنحرف، او تشجيع اسباب الجريمة، مما يسهم في توفير الراحة لدى الفرد، وبالتالي احداث حالة من الاستقرار الداخلي، بحيث ينعكس على الشعور النفسي، مما يولد حالة من الانفراج داخليا وخارجيا، عبر العديد من الممارسات اليومية.

كاتب صحفي