آخر تحديث: 19 / 3 / 2024م - 12:40 م

عائلة كورونا والابن الأكبر

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

أظهرت غريزة حب البقاء ما كان مخفيا في شخصياتنا من خوف وهلع.

جميعنا شاهد الصور البانورامية الطريفة والغريبة في مختلف مجتمعات العالم، وهي تتهافت على سلع معينة، دون أي مبرر واضح.

يدخل الفرد إلى المركز التمويني ويبدأ يركّز على سلعة معينة، يشتري منها كميات كبيرة، وفجأة نرى المستهلكين الآخرين يشترون السلعة ذاتها، إنه بهذا السلوك أثار فزع الناس حول إمكان اختفائها من الأسواق. خلال دقائق معدودة انتقل عدوى الخوف إلى العشرات وربما المئات ممن يعيشون معه في مجتمعه!.

يبدو أن هذا الوباء ليس غريبا علينا، فهو الابن الأكبر لعائلة كورونا، لكن ما يميزه أنه لا ينتقل فقط عبر الرذاذ بل عبر الهواء كذلك!.

في مدينة سياتل الأمريكية - مثلا - اختفت أوراق المراحيض من على أرفف أحد المتاجر الكبرى، أما في سنغافورة فقد تهافت الناس على شراء الأرز والشعيرية، وفي مدينة أوكلاند بنيوزيلندا، تشير التقارير إلى زيادة معدل الإنفاق على السلع الغذائية الأسبوع الماضي ب40 % مقارنة باليوم نفسه من العام السابق.

في ماليزيا زاد معدل المبيعات الأسبوعي لمعقمات اليدين ب800 %.

أما في المملكة، فحسنا فعلت وزارة البيئة والمياه والزراعة، عندما أكدت - عبر ناطقها الرسمي - أنه ليس هناك نقص في البيض بالمملكة، وهناك وفرة تُقدر

ب116 %، وهي نسبة الاكتفاء الذاتي من البيض بالمملكة، وهو يأتي في إطار الرد على المقطع المتداول في وسائل التواصل الاجتماعي، والذي أظهر تدافعا على أحد منافذ بيع البيض، إذ أبان المقطع كذلك أن كل شخص يغادر المحل كان يحمل ما بين 6 إلى 9 أطباق!.

عن أسباب هذه الظاهرة، يقول ديفيد سافيدج، أستاذ مساعد في علم النفس السلوكي والاقتصاد الجزئي بجامعة نيوكاسل بأستراليا، إن الاستعداد للكوارث الوشيكة، كالكوارث الطبيعية، هو تصرف عقلاني، لكن شراء 500 علبة فاصوليا مطهوة تحسبا لانقطاع الاتصالات لأسبوعين فقط، لا يمت إلى المنطق بصلة. ويفسر الخبراء هذه الظاهرة العالمية بالقول، إن الخوف من المجهول في أوقات الأزمات، والاعتقاد بأن الاستجابة يجب أن تكون بمستوى الحدث، قد يدفعان الناس إلى الشراء بكميات تفوق احتياجاتهم، رغم أن رد الفعل الأمثل في هذه الحالة هو غسل اليدين فقط. لكن كثيرين من الناس لا يؤمنون بهذا الإجراء البسيط، كونه لا يليق بفداحة الكارثة، ولهذا يصرفون نقودهم على شراء سلع على أمل أن تحميهم من المرض.

ويقول ستيفن تايلور، الأخصائي النفسي بجامعة بريتيش كولومبيا، إن ثمة فارقا كبيرا بين الاستعداد للكوارث وبين الشراء بدافع الهلع.

ففي الحالة الأولى، يعرف معظم الناس السلع التي يحتاجونها في حال نقص المياه أو انقطاع الاتصالات، لكن المشكلة أن الغموض الذي يكتنف آثار تفشي فيروس كورونا المستجد يدفع الناس إلى الإفراط في الإنفاق.

أخيرا أقول، حينما تشتد كثافة الأنانية وتقوى غريزة حب البقاء، كلما اقتربنا من الموت، يتحتم علينا إعادة النظر مجددا في رؤيتنا لذواتنا من الداخل، وفي علاقاتنا مع أبناء جنسنا البشري. لعل هذا من الدروس المفيدة لفيروس كورونا.