آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

ضياع الحياد في زمن الأزمات

محمد محفوظ *

ضياع الحياد في زمن الأزمات

لطالما كانت المؤسسات الإعلامية بشتى صورها وسيلة أساسية لتثقيف وإعلام المتلقي البسيط بما يدور حوله من متغيرات على مستوى مختلف المجالات، أتذكر أني كنت أُهرول صوب التلفاز بعد عودتي من المدرسة ببداية الألفية الجديدة لاستمتع بتغطيات سي إن إن الإخبارية، كنت أبحث دائمًا عن وسيلة تضعني بقلب الحدث، وسيلة تساهم برفع مستوى الوعي والثقافة العامة لدي بشكل دوري، وللأمانة كنت محظوظًا حينها بمتابعة فطاحلة الإعلام الحر بزمن بدت فيه الحياة بسيطة غير معقدة، على أقل تقدير إلى حين..

منذ ذلك الوقت طرأت على واقعنا العديد من المتغيرات التي تسببت بلا أدنى شك بتأثيرات ملموسة على الطريقة التي تتعامل بها المؤسسات الإعلامية مع الحقيقة، فمن أحداث 11 سبتمبر إلى حروب أفغانستان والعراق إلى انتخاب باراك حسين أوباما كأول رئيس أمريكي من أصول إفريقية إلى غضب شعبي عارم من سياسات غيرت من الأسس الثقافية الاجتماعية الأمريكية المتعارف عليها إلى ردة فعل مباشرة بانتخاب دونالد ترامب، خوف فأمل عقبه المزيد من الخوف ولا نزال ندور بهذه الدائرة المفرغة.

ومع تتابع هذه الأحداث وتشكل النظام العالمي الجديد بالولايات المتحدة وأوروبا مع بداية استلام باراك أوباما للسلطة عام 2008 دخل العالم أجمع بدوامة جديدة كليًا من الانقسام الحاد، فمع تنامي سلطة التيارات اليسارية بالولايات المتحدة وأوروبا تأثرت المؤسسات الإعلامية والتعليمية إلى حد لا يمكن إنكاره حتى باتت القيم والمبادىء اليسارية تعامل على أنها قوانين صحيحة لا يمكن المساس بها، وبدأت هذه الموجة اليسارية باجتياح العالم مع تنامي شهرة باراك أوباما حتى وصولنا لمرحلة المواجهة المباشرة بين اليمين واليسار مع حلول عام 2016 وهي المواجهة التي أطاحت بالنظام العالمي اليساري «المعتمد على الأسس الليبرالية القحة» بعد خسائر مدوية ببريطانيا والولايات المتحدة وعديد الدول الأوربية الأخرى، عند هذه النقطة جُن جنون المؤسسات الإعلامية لتتخلى تمامًا عن شرف المهنة وتمتهن حرب التأثير المباشر بشكل علني فاضح لم يعد يخفى على أحد.

هنا قد يتساءل البعض، وماذا يعني كل هذا بالنسبة لنا؟ الإجابة التي لا يجب أن تفاجئك هي ”كل شيء“، ببساطة لأن كل ما تراه أو تسمعه أو تتفاعل معه هذه الأيام يدار من قبل مؤسسات إعلامية تلعب دورًا بهذا الصراع بين اليمين واليسار، القنوات الإخبارية والصحف والمجلات الأمريكية، ووسائل التواصل الإجتماعي مثل فيسبوك وتويتر، وشبكات المشاهدة مثل نيتفليكس وأمازون… وأشياء كثيرة يستخدمها معظمنا بشكل يومي، كلها باتت تدار وفق أجندة وقيم التيار الداعم فقط لا غير، ولم تعد هذه المؤسسات الإعلامية تهتم بوجهة نظرك كمشاهد حول تغطيتها، أبدًا فقد وصلنا لزمن تراشق إعلامي علني بين مقدمي سي إن إن ونظرائهم بشبكة فوكس، حتى الأدوية المستخدمة بعلاج فايروس كورونا لم تسلم من هذا الانقسام، ببعض الأحيان قد توصف بالعنصرية من ذات مقدمي البرامج فقط لأنك تختلف معهم بوجهات النظر حول قضايا رأي عام، واذا لم يعجبك الأمر عزيزي المشاهد غير القناة أو توقف عن استخدام وسيلة التواصل التي قد تحجب تغريدتك وفق قوانين وأنظمة داخلية لا تبدو هذه المؤسسات مستعده لمناقشة مدى حياديتها من عدم ذلك.

تثقيف النفس بالميلان الفكري لكل مؤسسة إعلامية أو وسيلة للتواصل الاجتماعي أو خدمة للمشاهدة من هذا المنطلق هو واجب على كل شخص على حدة، فلا تتفاجأ عندما تقرأ مقالة تجرم أوباما بنيويورك بوست، ولا تستغرب من مقالات الحط من ترامب بنيويورك تايمز، لكل مؤسسة توجه وليس هنالك مثالية بهذا العالم المنقسم على نفسه، لا أعتقد بأننا مررنا بمثل هذه الأجواء العاصفة التي تغلب فيها المشاعر على الفكر والعلم والقيم من ذي قبل، ولكنه عالم يجب أن نتعايش معه، هذا هو قدرنا.

قدري أن أتعايش مع وجهة نظر الليبرالي والقيم التي تحكم حياته، وذات التعامل مع المحافظ الذي يرى الحياة بشكل مختلف تمامًا عن سابقه، لكن بنهاية الأمر لا يجب أن أُخير بين يمين أو يسار ولا يجب أن أربط أفعالي بقيم الآخرين، ولا يجب أن أُصدق كل ما يقال أو كل ما تحاول المؤسسات الإعلامية بمختلف مجالاتها أن تقنعني به، فأنا القاضي وأنا الحكم لكل ما يدور بحياتي، أطبق قيمي الخاصة ومبادئي الخاصة وأبني بها جيلًا قادرًا على الإيمان بطاقته الضمنية وتغيير العالم من حوله، غير أن أول درس يجب أن يستوعب بشكل جيد مفاده أن الحياد لم يعد من الأساسيات والقيم المتبعة بالمؤسسات التعليمية والإعلامية الأمريكية الأوربية، لذا ابحث عنه بنفسك.

متخصص بالإدارة و التسويق و التجارة الإلكترونية، أرى هذا العالم بمنظور خاص قد يكون مختلف بشكل نسبي عمّن حولي، لي إهتمامات كثيرة من بينها علاقات الدول السياسية الإقتصادية، التغيرات المناخية و تأثيرها على الإقتصاد العالمي و التوعية البيئية.