آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 8:50 م

التيمية بلد الاربعين مسجدا ومسقط رأس العالم الكبير ابن أبي جمهور

السيد علي باقر الموسى *

بلدة التيمية التي تغير اسمها فيما بعد الى التهيمية، هي مسقط رأس الفيلسوف المتكلم والفقيه الاصولي المحدث الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي رحمه الله، صاحب المؤلفات الكثيرة والمتنوعة في كل العلوم الاسلامية، وابن أبي جمهور ولد قبل حوالي ستمائة سنة تقريبا، حيث ولد قبل منتصف القرن التاسع الهجري سنة 838 هجرية، في قرية التيمية وهي تعتبر من أقدم القرى الأحسائية تاريخيا، حيث اشار لها الشيخ محمد بن أبي جمهور في نهاية توثيق كتابه ”النور المنجي من الظلام، حاشية مسلك الافهام[1]  سنة 893 هـ، وكذلك ذُكرت في وثائق الارشيف العثماني سنة 979 هجرية، وكانت البلدة منتجة زراعيا وبها أنهار وجداول مياه كثيرة كنهر الشيباني والجرواني

وفي أول قيام سلطة الدولة العثمانية في الأحساء منتصف القرن العاشر الهجري كانت تحمل صفة لواء التيمية او باللغة العثمانية ”تهميه سنجاغي“، كما تشير اليها الوثائق العثمانية، حيث كانت مقرا لحامية لواء التيمية من خلال بناء قلعة محصنة بجبل الشبعان الذي يعرف الان بجبل القارة، ومازالت أثار اسوار القلعة موجودة حتى الان.

وتعتبر هذه البلدة الطيبة ”التيمية“ مسقط رأس علماء اسرة آل أبي جمهور الأحسائية الشيبانية، وهي من القبائل العربية الاصيلة المشهورة، وتوجد اراضي زراعية على طريق قرية غمسي تحمل اسم الجمهوري نسبةً الى هذه الاسرة.

اشتهرت بلدة التيمية بكثرة المساجد التي تصل إلى حدود أربعين مسجدا، منها ما هو موجود والاخر قد اندثر للاسف الشديد، ولم يبقى منها إلا عشرة مساجد تقريبا، واقدمها، مسجد الجامع في وسط بلدة التيمية، وقد زرت هذا المسجد بتاريخ 23 / 8 / 2013 م، بمعية ابن البلدة الاستاذ ناصر بو عامر، ورأيت المحراب العتيق، وكان فوق المحراب لوحة منقوشة بكتابة، وقد التقطتُ صوراً فتوغرافية لمحراب المسجد وتوجد نقشة قديمة جدا محفوظة في هذا المسجد فوق المحراب، كُتب عليها مع زخرفة ما نصه:

لا اله الا الله محمد رسول الله، هذا المحراب، الجمعة شهر شوال سنة ثمانمائة وعشرة، عمل عبدالله بن قاسم بن محمد الهممي العماني

ويطلق عليه أهالي قرية التيمية حاليا ”مسجد ابن أبي جمهور الأحسائي“، نسبةً إلى علماء ابن أبي جمهور الأحسائي وهم من علماء القرن الثامن والتاسع الهجري، واشهرهم على الاطلاق الفيلسوف والفقيه الشيخ محمد بن علي بن أبي جمهور الأحسائي، وبحسب تاريخ تأسيس المسجد، من المحتمل انه كان يصلي فيه.

ويوجد كذلك المسجد الغربي قرب مقبرة البلدة باتجاه قرية الدالوة، ويلحق بخارج المسجد مسورة صغيرة، ملاصقة لسور المسجد، بها ثلاثة قبور دون وجود شواهد مكتوبة عليها لمعرفة أصحابها، ولكنه ربما والله العالم ان يكون تفرد أصحاب القبور الثلاثة عن باقي القبور في مقبرة بلدة التيمية العامة، كونهم من أبرز علماء البلدة في عصرهم ولهم مكانة كبيرة، وبهذا الاحتمال ربما تكون القبور للجد والاب والابن، وهم الشيخ ابراهيم الجد، والشيخ علي الاب، والشيخ محمد بن أبي جمهور الابن، ولا يعلم متى بُني المسجد الغربي، إلا انه توجد لوحة حديثة كتبت بعد ترميم المسجد من قبل الهيئة الملكية في الجبيل وينبع، تشير إلى انه بُني في القرن العاشر الهجري، وكذلك يوجد المسجد الشرقي وهو مطل على الشارع العام للقادم من بلدة التويثير ومدخل مغارة جبل القارة، وهو صغير في مساحته، ويتوقع انه تم بنائه في القرن العاشر، هذه من أبرز المساجد في بلدة التيمية.

وقد أنشأ العلامة الشيخ فرج عمران القطيفي رحمه الله ابياتا جميلة في مدح هذه البلدة الطيبة في موسوعته الازهارالأرجية، فقال:

قدسوها مدينة التيمية............... فهي خيرة القرى الهجرية

قدسوا تلكم الربوع اللواتي......... هي بالامس مشرقات مضيئة

هي بالامس مشرقات زواهٍ......... بالتقى والمعارف الدينية

مشرقات بالحكمتين تسمى......... تلك علمية وذي عملية

جمعت أربعين من علماء........... ممن نالوا المراقي العلية

منهم الفيلسوف إبن أبي جمهور..... ربُ اللطيفة القدسية

هو ذا كتابُ العوالي اللآلي......... والمجلي في الحكمة النظرية

ومنهم العالمُ البويهي من أدرك....... أسمى المراتب العلمية

هؤلاء الأعلام كانو مصابيح.......... بهم قد أضاءت التيمية

هذه القرية الصغيرة «التيمية» ذات عمق حضاري رغم انها لم تحظى بالحضور الاعلامي والتراثي، ولم يكتب عنها كثيرا، ورغم انها صغيرة في مساحتها فهي كبيرة في عمقها التاريخي ويكفيها فخرا انها البلدة التي وُلد وتربى ودرس فيها العلامة الشيخ محمد بن علي بن ابراهيم بن أبي جمهور الأحسائي، وهو فيلسوف وفقيه ولد ببلدة التيمية التاريخية الواقعة على اطراف جبل الشبعان، المعروف حاليا بجبل القارة سنة 838 هـ، قبل منتصف القرن التاسع الهجري، وهو من أسرة علمية تمتد الى القرن الثامن الهجري، ومن أبرز اساتذته في سنواته الاولى، والده الشيخ علي بن أبراهيم بن أبي جمهور في مسقط رأسه الأحساء، ثم هاجر بداية مسيرته العلمية الى العراق، ودرس في النجف الاشرف والحلة، العلوم العقلية والنقلية، ثم سافر من العراق الى مكة المكرمة، عبر الأحساء، بقصد حج بيت الله الحرام سنة 877 هـ، ثم رجع الى العراق وقام بزيارة مشهد الامام علي بن موسى الرضا في خراسان سنة 878 هـ، وكان في ضيافة تلميذه ”محسن الرضوي“، وقد ألف كتاب ”زاد المسافرين في اصول الدين“ وهو في طريقه إلى خراسان وطلب منه تلميذه أن يشرحه وقد استجاب له وألف كتاب ”كشف البراهين في شرح زاد المسافرين“ وجرى في منزل تلميذه حوارا كلاميا مع أحد علماء هرات وتبلورت الحوارات في كتاب ”المجادلات في المذهب“ وبعد سنوات من استقراره في خرسان، سافر الى النجف الاشرف في الفترة «883 هـ - 885 ه» وحضر دروس استاذه الشيخ حسن بن عبدالكريم الفتال النجفي، ثم حضر درس استاذه علي بن هلال الجزائري في كرك نوح بجبل عامل، وهو في طريق سفره للحج، وبعد الحج، عاد الى مسقط رأسه الأحساء وألف كتاب ”قبس الاقتداء في شرائط الإفتاء والاستفتاء“ وكتاب ”مسلك الافهام في علم الكلام“ ثم سافر الى خراسان، وفي مدينة مشهد، قام بتأليف كتاب ”كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال“ وكتاب ”المشهدية في الاصول الدينية“ وكتاب ”البرمكية في فقه الصلاة اليومية“ وكتاب ”الأنوار المشهدية لشرح الرسالة البرمكية“ «مفقود» ورسالة ”النية وذم الوسواس“، ثم سافر الى النجف الاشرف، وشرع بتأليف كتاب في الفلسفة ”باب البداية لبداية النهاية“ ثم قام بشرحه في كتاب ”موضح الدراية لشرح باب البداية“ في الفلسفة الاشراقية، ثم قام بزيارة بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وعاد الى الأحساء وقام بتأليف كتابه في الكلام ”النور المنجي من الظلام، حاشية مسلك الافهام في علم الكلام“ ثم ذهب مرة أخرى للحج، وبعدها سافر الى النجف الاشرف، للمرة الثالثة سنة 894 هـ، ثم الى مدينة مشهد بخراسان وخلال هذه الفترة - من سنة 895 هـ  الى سنة 899 هـ - قام بتأليف مجموعة كتب وهي ”المسالك الجامعية في شرح الألفية الشهيدية“ وكتاب ”مجلي مرآة المنجي في الكلام والحكمتين والتصوف“ وكتاب ”عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية“ وكتاب ”التحفة الحسينية في شرح المقدمة الالفية“ وكتاب ”الاقطاب الفقهية على مذهب الامامية“ ثم هاجر الى أسترآباد، وألف فيها كتاب ”درر اللئالي العمادية في الأحاديث الفقهية“ سنة 901 هـ، وكذلك كتب خلال الفترة الزمنية مجموعة ”اجازات الحديث“ وفي سنة 904 هـ، زار المدينة المنورة، وقام بتأليف كتاب ”شرحٌ على الباب الحادي عشر“، وكان آخر ماكتبه ابن أبي جمهور ”اجازة رواية للشيخ على بن قاسم بن عذاقة الحلي“ في مدينة الحلة سنة 906 هـ ”، وبعد هذا التاريخ لايعلم متى رجع الى مسقط رأسه الأحساء وتاريخ وفاته، وقد كتب عنه المستشرق الانجليزي“ ويلفرد مادلونغ ”في سنة 1977 م دراسة بعنوان“ تركيب الكلام والفلسفة والعرفان في مسلك ابن أبي جمهور الأحسائي، وكذلك كتب سنة 1982م في دائرة المعارف الاسلامية، مدخل ”ابن أبي جمهور الأحسائي“ وكذلك كتبت المستشرقة الالمانية ”زابينة إشميتكه“ سنة 1997 م، دراسة بعنوان ”تأثير شمس الدين الشهرزوري على ابن أبي جمهور الأحسائي“ ثم جعلت مشروعها لنيل درجة الدكتوراه، سنة 2000 م، رسالتها بعنوان " الكلام والفلسفة والعرفان عند الشيعة الاثنى عشرية في القرن الهجري التاسع: عالم أفكار ابن أبي جمهور الأحسائي، وقد كتب حتى الان أكثر من عشرين دراسة مختصة عن ابن أبي جمهور الأحسائي في كتب مستقلة أو في مجلات دورية علمية مُحكمة، بالاضافة الى تحقيق تراثه المخطوط وطباعة أكثر كتبه، هذا باختصار، ما أود ان أعرف بهذه الشخصية بصورة مختصرة وموجزة عن سيرته العلمية والمكانية، ومن اراد التوسع فليطلع على كتبه أو كتب التراجم وسير الأعلام.

ملحق










 

[1]  النور المنجي من الظلام، محمد بن علي بن أبي جمهور الأحسائي، طبعة مؤسسة ابن أبي جمهور الأحسائي لإحياء التراث، المجلد الثاني، صفحة رقم: 657، سنة الطبعة 1434 هـ - 2013 م، بيروت
باحث ومهتم بإحياء التراث الأحسائي المخطوط