آخر تحديث: 30 / 4 / 2024م - 9:26 ص

أنا جوهرة، فانظر إلي!

زكريا العباد

هل يبدو لك أن «الإخلاص» أمرٌ ذا قيمة عليا؟ اذا كنت تحظى بزوجة مخلصة وأصدقاء مخلصين فأنت في الغالب لا تقدر الإخلاص تقديرا عاليا! والسبب في ذلك أنك قد تعودت على أن يبذل لك هؤلاء إخلاصهم بشكل مجاني حتى لم تعد تشعر بقيمة إخلاصهم! في هذه الحالة الإخلاص يصبح كالهواء لا أحد يقدر قيمة الهواء المجاني حتى تُفرض عليه «رسوم» لا سمح الله، حينها ستوصي عائلتك بالاقتصاد في التنفس كما توصيهم بعدم ترك أجهزة التكييف تعمل حين يغادرون غرفهم.

يشكو رجل لصاحبه من عدم قدرته على تصديق عبارات الحب الصادرة عن زوجته وتأكيدها أنه «الرجل الوحيد الذي عرفته في حياتها»، في حين يتساءل صاحبه في نفسه: ما سر اهتمام صاحبي بأن تحبه زوجته؟! كل النساء تحببن أزواجهن!

السر يكمن في أن الثاني أدمن إخلاص زوجته إلى درجة أنه أصبح يرى أن من البديهي أن تحبك زوجتك تماما كما أن من البديهي أن يتنفس كل كائن حي. لكن، ألا يوجد بشر يعانون من الربو ويجهدون أنفسهم في الحصول على هذا الهواء «الطبيعي»؟! ما يعني أنّه ليس كل كائن حيّ يتمتع بذات المميزات الافتراضية الطبيعية لجميع الكائنات الحية، تلك الميزات التي يعتبرها الإنسان سمات دالة على أنه «حي».

إنّ وجود هذه الاختناقات والعراقيل التي تسد سريان الحياة في عروق الإنسان تعني أن جزءً من «الموت» يسري أيضا في شرايينه وليس الحياة فقط، إننا غالبا إذ نقول: إن فلانا حيّ، فنحن لا نلتفت إلى سمات الموت التي تجري في شرايينه، تماما كما نغفل عن سمات الحياة التي تجري في شراييننا، نحن في حقيقة الأمر لسنا كائنات حية بقدر ما نحن كائنات يختلط في داخلنا الموت والحياة بشكل نسبي.

ونتيجة لهذه الطريقة العمياء من الغفلة عن سمات الحياة وسمات الموت فينا فنحن لا نزور الحقيقة ونفقدها فحسب بل نحن نفقد جزءً من «حياتنا»، إذ ما فائدة المناظر الجميلة لعيون لا تبصرها؟! وما فائدة الروائح الزكية لأنوف لا تشمها؟!

تدرك المرأة أحيانا أن القرب حجاب فتفتعل بعض الدراما التي تحرك ما يسمى «غيرة» الرجل لكي يرى قيمة إخلاصها له، لكن رجلا اعتاد على أن لا يرى قيمة «الإخلاص» لا يصدّق إمكانية ذهاب هذا الإخلاص الذي لا يراه «ويا للمفارقة المضحكة!»، ولذلك يرى أنّ هذا الذي تفعله زوجته هو مجرد «تمثيل» فاشل، وقد تبالغ الزوجة في التمثيل وفي محاولة الإقناع، وكلما فشلت قد تزداد إصراراً على صنع «الصدمة»، فهذا الزوج البليد بحاجة إلى صدمة تعيد إليه بصره!

والصدمة بحد ذاتها قد تتحول إلى مشكلة جديدة، فالرجل الذي أصبح الآن بصيرا قد لا يبصر «قيمة الإخلاص»، فربما أصبح الآن يبصر صورة «الزوجة منزوعة الإخلاص»، لقد أصبحت الزوجة ممثلة بارعة بعد تدريب طويل حتى باتت قادرة على الإقناع بأن المشهد «حقيقي». أو لربما، ثمة سيناريو آخر محتمل، لقد مثلت الزوجة الدور حتى التبست به أو تقمصها فأضحت ترى نفسها صورة أصلية عنه، لقد أصبح جزءً منها، وتلك حكاية أخرى!